(في عام 1600م بني في مدينة فينيسيا الإيطالية أو «البندقية» جسر يربط بين قصر «دوتشي» مقر قاعة المحكمة والسجن القديم.
تقول الحكايات في فينيسيا: إن السجناء كانوا يطلبون من السجانين أن يسمحوا لهم بالوقوف على الجسر لبضع دقائق ليلقوا آخر نظرة على المدينة الساحرة، وكانوا في تلك الدقائق القصيرة «يتنهدون» قبل أن يجروا إلى السجن مظلم لسنوات طويلة، وأحيانًا إلى آخر العمر فسمي «جسر التنهدات»).
هكذا كان حال مساجين «البندقية» في كتاب «بيكاسو وستاربكس» تذكَّرت تفاصيلها بعد تصاريح مسؤولين عن رياضتنا يعترفون بأن اللاعبين يتعاطون الحشيش ويشربون الكحول؟!.
وأنت تقرأ المشهد تجد أن الكثير طوّق أعناق اللاعبين بالتهمة وكأنهم مساجين البندقية وفي طريقهم للسجن!
تحوّلنا جميعًا... إلى سجانين.... وصرخنا بصوت عالٍ:
اللاعبون يحششون... ويشربون...!!
الالتفاف على القضية وتلبيسها الحلقة الأضعف «اللاعبون» لن يحلَّ المشكلة، بل سوف يزيدها تعقيدًا، لست هنا لكي أمنح اللاعبين «صك براءة»؟؟!!
لكن أريد أن أقول: هناك أطراف عديدة تتحمل مسؤولية هذا الانحراف، فيجب أن تعترف كل جهة ذات علاقة في رياضتنا بأنها «قصرت» في هذا الملف!!.
نظام الاحتراف الرياضي في السعوديَّة يحفز على «الانحراف»، قد تسأل هنا لماذا؟!
عندما تبلغ سن 18سنة وتحصل على الشهادة المتوسطة «الكفاءة» تستطيع أن تكون لاعبًا محترفًا، وأي لاعب يشارك في المنتخبات السنية ويلعب مباريات دوليَّة يسمح له النظام بالاحتراف عند سن 16 سنة.
لذلك اللاعبون «المنحرفون» نسبتهم أعلى من اللاعبين الدوليين!!.
شاب مراهق غير متعلم يحمل شهادة متدنية وعمره صغير 16 سنة وتضع في يده ملايين الريالات ماذا تريده أن يفعل بها؟؟!!.
في أمريكا تجربة رائعة بدوري كرة القدم الأمريكية NFL لا يسمح لأيِّ لاعب بالاحتراف في دوري المحترفين إلا عندما يصل عمره 21 سنة، لذلك تجد اللاعب بعد المرحلة الثانوية يحرص على الدراسة الجامعية ومن لا يريد الالتحاق بالجامعة يجبره النظام على الانتظار ثلاث سنوات بعد المرحلة الثانوية، وبسبب ذلك يحرص أغلبهم للمشاركة مع منتخب الجامعة حتَّى يجد فرصة احترافية في دوري المحترفين.
بناء «العقل» قبل الجسد يضمن لك لاعبًا محترفًا لا ينحرف!!
لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين، يجب أن نعترف بأنّه هناك خلل في نظام الاحتراف بالسعوديَّة، فهل من حراك؟؟!!.
عندما تضع المال في يد «راشد» ومتعلم لن ينحرف بسهولة مقارنة بالمراهق غير المتعلم...
لا يبقى إلا أن أقول:
الزميل محمد العبدي قبل سنوات طويلة قال: «إنهم يشربون»؟؟
قال له: يا محمد أنت تبالغ!!
لا أحد في سلطتنا الرياضيَّة حينها بادر بعلاج الحالات الفردية، الصمت جعلنا اليوم نعيش في «ظاهرة» تشوّه رياضتنا، التعاطي الحالي من المسؤولين لن يعالج الأزمة، لا يريد أحد أن يعترف بالتقصير، الكل جرَّد نفسه من المسؤولية وصوَّب أسهمه صوب اللاعبين؟!
كان مساجين البندقية «يتنهدون» على جسر التنهدات في وداع المدينة الساحرة، واليوم للأسف ربما أن البعض من لاعبينا بسبب الكحول والحشيش «يتنهدون» في وداع ملاعبنا... يتنهدون....يتنهدون....!!
** هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصحيفتنا «الجزيرة» كل أربعاء وأنت كما أنت جميل بروحك وشكرًا لك.