منذ أيام قليلة أفصحت شركة واتساب عن إصدار جديد للنظام التشغيل أندرويد ليقدم مزيدًا من وسائل حماية خصوصية المستخدمين، بالإضافة إلى خاصية جديدة لم يتمتع بها مستخدمو التطبيق على أندرويد من قبل، وهي تسديد رسوم اشتراك الأصدقاء.. ومنذ فترة اندمجت هوتميل مع سكابي، لتصبح خدمات السكابي للاتِّصال الدولي مستقرة وذات جودة عالية.. اليوم الفايبر لم تُعدُّ به مشكلات مثلما فترته الأولى.. أيْضًا أصبحت جودة الاتِّصال الدولي باستخدام برنامج التانجو أكثر وضوحًا، مثلمها مثل الاتِّصال بشبكات الهاتف المحمول أو الأرضي تمامًا.. أيْضًا برامج الفيس بوك باتت تقدم خدمة الاتِّصال بالفيديو بجودة وكفاءة عالية وبلا مشكلات.. أما برامج الاتِّصال عن طريق المسينجر بالياهو أو الهوتميل أو غيرهما، فحدث ولا حرج، أصبحت سهلة وذات جودة عالية بشكل أعلى عن سابقتها. السؤال الذي يطرح نفسه: من يفكر في إرسال رسائل نصية الآن؟ أعتقد عدد قليل للغاية هو من يفكر في الاعتماد على التواصل بالرسائل النصية من الهاتف المحمول.. وهم الذين لا يستخدمون خدمات النِّطاق أو خدمات الإنترنت على هواتفهم المحمولة. أما السؤال الأكثر أهمية: إلى متى يُتوقَّع أن يعتمد الأفراد على استخدام وسيلة الاتِّصال التقليدية بالهواتف المحمولة أو الأرضية؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بفترة قصيرة للغاية، قد لا تتجاوز ثلاث سنوات من الآن.. أيّ أن مستقبل خدمات الاتِّصالات التقليدية لا تزيد عن 3 سنوات من الآن.. ما هو أهم: ما تأثير برامج الاتِّصالات المجانية على مستقبل شركات الاتِّصالات بالسوق المحليَّة؟ بل ما هو تأثيرها على شكل وطبيعة وسلوكيات السوق المحلي؟
هذا التأثير يتركز في جانبين:
الجانب الأول: أدَّى التقدم في تقنيات وبرامج الاتِّصالات المجانية إلى تركز سوق الاتِّصالات في عدد محدود من الشركات، لدرجة أن السوق أصبح يأخذ شكل احتكار القلة، وقد نتج ذلك عدم قدرة مقدمين جدد للخدمات على دخول السوق، فقط الشركات القديمة التي دخلت السوق وتَمكَّنت من بناء بنيتها التحتية هي القادرة على البقاء وتحقيق أرباح، بل إن سوق الاتِّصالات (سوق الشركات المساهمة) من أكثر الأسواق فشلاً أو تعثرًا، فبالرغم من أن عدد شركات السوق لم تتجاوز عدد (5)، إلا أن ثلاثة منها واجهت تعثرًا كبيرًا، ولافتًا للنظر، بل إن واحدة من خمسة خرجت نهائيًّا من السوق.. وإذا بحثنا في أسباب هذا التعثر والفشل، سنجد التطوّر الكبير في تقنيات الاتِّصالات، وسرعة تغيِّراتها، لدرجة أن شركة الاتِّصالات لكي يتم تأسيسها تستغرق ربَّما (2-4) سنوات، وحتى يكتمل التأسيس يمكن أن تكون الجدوى التي بنيت على أساسها قد انتهت تمامًا من السوق نتيجة ظهور تقنية أو برنامج أو ابتكار جديد يقدم الخدمة التي تتجه الشركة لبيعها، بالمجان.
الجانب الثاني: إن التقنيات الجديدة في الاتِّصالات تُؤثِّر سلبًا على أرباح شركات الاتِّصالات السعوديَّة بشكل ملحوظ، وذلك كما يتضح من الأشكال المرفقة.. فبالرغم من أن إجمالي الاشتراكات في خدمات الاتِّصالات المتنقلة نمت بمعدل 18.3 في المئة خلال الفترة (2009-2012م)، وأيْضًا بالرغم من أن إجمالي الاشتراكات في الاتِّصالات الثابتة نمت بمعدل 19.7 في المئة، وأيْضًا رغم النمو الهائل في اشتراكات خدمات النِّطاق العريض عبر شبكات الاتِّصالات الذي بلغ حوالي 515.3 في المئة، وأيْضًا رغم النمو الهائل في عدد مستخدمي الإنترنت، الذي يناهز 53.4 في المئة.. وبالرغم من معرفة أن اشتراكات خدمات النِّطاق العريض تعتبر مربحة وذات إيرادات عالية، إلا أنّه مع كل ذلك النمو في سوق الاتِّصالات، إلا أن إيرادات شركات الاتِّصالات قد نمت خلال الفترة (2009-2012م) من 49.2 مليار ريال في عام 2009م إلى حوالي 71.0 مليار ريال في عام 2012م، أيّ بمعدل 44.0 في المئة.. إلا أن إجمالي الإيرادات لا يُعدُّ مؤشرًا دقيقًا لربحية القطاع، نظرًا لأن خدمات الاتِّصالات بالرغم من أنَّها تجلب إيرادًا عاليًّا، إلا أنّه يتم تشغيلها بنفقات عالية في كثير من الأحيان.
ويوضح الجدول (1) صافي الأرباح لأكبر أربع شركات بالقطاع مدرجة بسوق الأسهم، حيث ارتفع صافي أرباحها من 10.3 مليار ريال في عام 2009م إلى حوالي 11.3 مليار ريال في عام 2012م، أيّ نمت بمعدل 9.7 في المئة فقط، وهو دليل واضح على أنّه رغم النمو الهائل في حجم السوق، إلا أنّه يوجد نمو أقل بكثير في معدلات أرباح الشركات.
ويمكن تفسير ذلك النمو غير المناسب في الأرباح لشركات الاتِّصالات بعاملين، هما المنافسة القوية الآتية من الخارج من برامج وتقنيات الاتِّصالات المتقدمة، وهي منافسة كل شركات الاتِّصالات فيها خاسرة، لأن خدمات البرامج المتقدِّمة الجديدة تقدم بالمجان أو برسوم رمزية، وبالتالي يصعب منافستها.
أما النوع الآخر من المنافسة، فهو المنافسة الآتية من السوق المحلي، نتيجة التنافس بين شركات الاتِّصالات وبعضها البعض، بشكل يُؤدِّي إلى تراجع واضح في أسعار خدماتها.
من هنا، فإنَّ المستقبل يبدو غير واضح، وغير مغرٍ لشركات الاتِّصالات، التي قد تواجه مصيرًا أكثر قسوة في المستقبل، نتيجة تطورات متوقعة في تقنيات الاتِّصالات قد تدفع جمهور العملاء إلى التخلي عن خدمات النِّطاق العريض بشكلها التقليدي، أو على الأقل قد تضعف كثيرًا من مستويات أسعارها الحالية.