لم يعد انتقاد باراك أوباما مقتصراً على الرأي العام الأمريكي والشعوب الحليفة لأمريكا التي ورَّط أوباما بعضها كما فعل بالسوريين والأوكرانيين والأوروبيين، وليس على كتَّاب الأعمدة والمعلِّقين السياسيين الأمريكيين والغربيين، بل وصل الأمر إلى الخبراء وأساتذة العلوم السياسية بعد الأقوال والآراء الصريحة التي أدلت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، حيث أكَّدت هذه الوزيرة أن إدارة أوباما أهملت ملفات الشرق الأوسط وبالذات في تعاملها مع الأزمة السورية التي وصفت المعارضة السورية سياسة أوباما بأنها سياسة (النوم) الأمريكية.
الوزيرة رايس ليست مجرد وزير خارجية سابقة؛ فهي واحدة من أساتذة العلوم السياسية، وخبيرة متميِّزة في السياسة الدولية، ولها باع في العمل السياسي الأمريكي منذ أيام الرئيس ريجان، وتواصلت بالعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، ثم عملت مستشاراً للأمن القومي ثم وزيرة للخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وقبل ذلك عملت أستاذة للعلوم السياسية في الجامعات الأمريكية، وهي متخصصة في الشؤون السوفياتية وبعدها في العلاقات مع روسيا، وبعيداً عن نهجها السياسي الذي يميل إلى المحافظين كونها عضواً فعَّالاً في الحزب الجمهوري، إلا أنها تعد واحدة من الأمريكيين القلائل التي تمتلك موقفاً سياسياً يحظى بالاحترام لتمسكها بالعملية وبالتحليل السياسي المنضبط.
صحيفة الوطن وعبر جرافك يشكل إضافة للصحافة المحلية أبرزت أهم الانتقادات التي وجهتها رايس للرئيس أوباما، فالبنسبة للشرق الأوسط تقول رايس إن الإدارة الأمريكية الحالية تركت منطقة الشرق الأوسط تتمزَّق على يد بشار الأسد وحلفائه من الأنظمة الشمولية والاستبدادية في توظيف مقيت للمليشيات والجماعات الإرهابية.
هذا الانتقاد اللاذع يعد توصيفاً دقيقاً لما فعلته إدارة أوباما في منطقة الشرق الأوسط، حيث أدى تراخيها وعدم حسمها وتعاملها الضعيف مع نظام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس إلى تدمير سوريه ونشر القتل والمجاعة بين صفوف الشعب السوري، كما أن هذه السياسة الضعيفة أدت إلى إعادة (ولادة) تنظيم القاعدة من جديد في سوريا والعراق، بل ولَّدت تنظيمات إرهابية أخرى لا تقل خطورة عن القاعدة كتنظيم داعش والنصرة، إضافة إلى تنامي الفصائل الإرهابية الأخرى من الأطياف المذهبية الأخرى، فالمليشيات الإرهابية من حزب حسن نصر الله والمليشيات الطائفة العراقية واليمنية (الحوثيين) وفي البحرين، وجميعها مرتبطة بالنظام الإيراني تمويلاً وتسليحاً وتدريباً، تعد نتيجة مباشرة لتراخي الإدارة الأمريكية وسكوتها عن أفعال النظام الإيراني، بل حتى النظام العراقي الذي يحظى بدعم إدارة أوباما.
أخيراً أوضحت رايس أن ضعف إدارة أوباما مكَّن القيادة الروسية من الصعود لمزاحمة أمريكا على احتلال موقع القيادة العالمية، بل إن موسكو تتقدَّم في كثير من القضايا الدولية على الإدارة الأمريكية.
صوت رايس هذا تعبير جدي عن غضب الشارع الأمريكي، وترجمة لما يعتمل في صدور الأمريكيين من تململ على التراجع الذي أصاب السياسة الدولية الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما.