إن توظيف اللغة العربية على اللسان ليكون ناطقاً بأجمل حركاتها في عباراتها..، ولانتقاء أدل كلماتها لمعانيها عند الإبلاغ بها، إنما يحتاج إلى دربة..، هذه الدربة لا يتمكن منها اللسان لأداء هذه اللغة أكملها، وأصوبها في سلوك النطق بها إلا في بيئة يتعاون أفرادها في هذا الشأن مذ لثغة أول حروف التعليم الأبوي في البيت، وفي المدرسة لألسنة النشء..
معنى هذا أن يكون الحاضنون أنفسهم، والمتعاملون ذواتهم مع الصغار هم أنفسهم ذوو مهارة فيها، ومتقنون لها، ومدربون عليها، ومستخدمون لها هذه اللغة، فموظفونها استخداماً تلقائياً، يستعذب النطق السليم، وينفر من اللّحْن المخل، ويبتعد بوعي عن الخطأ المشين لجمالها..، وسلاستها..، وعذوبتها..!!
واللغة العربية سيدة اللغات، وهي فاتنة جميلة، واثقة دالّة، شامخة بليغة، ليست بصعوبة ما توارث عنها في عمق قناعات الأجيال، وليست موغلة في الوحشي عند الهاربين من قواميسها، واللاجئين إليها في آن عند عثرات فهمهم لمفرداتها..
هذه اللغة حين تقع في الأذن تشمخ، وتنزل فيه بثرائها وجميل أثرها.. والباحثون، والمختصون، والمحبون لها لا يتحدثون إلا بها عند درسهم، وشرحهم، وحين التعبير عنهم لمرادهم في أي مكان، وعند أي قول، وفي أي موقف، إنما هم مثل العصفور المغرد على فنن..، أو كتلك الجداول الراكضة في خريرها المائي الفاتن...
ليت الهمة تنهض صدقاً، وحماساً، ورغبةً، وجهداً من أجلها..
في غير تظاهرة عندما يتجه العالم لتكريم لغاتهم فنتبعهم حذو القذة..
فإن دخلوا جحر ضب، ركضنا نتسابق إليه لنكن قبلهم في صدارته..، شأننا في مواقف التبعية، والانقياد..
وتظاهرة التقليد المتفشية في مناحي حياتنا، ومظاهرها.