ما معنى أن تكون، في مجتمعات دون أخرى، قدرة المسؤول على التواجد في المناسبات العامة والاحتفالية مدهشة، ولكن قدرته على الاختفاء عن العيون في مقر عمله على نفس القدر أيضاً من الإدهاش.
ما معنى أن يكون وقت المسؤول ضيقاً ومزحوما، ومع ذلك لا يتسع لتحقيق أي إنجاز يجعل الناس يذكرونه بالخير.
من خصوصيات الدول ذات الحركة البيروقراطية البطيئة المتصالحة مع ثبوت الزمان والمكان، أن المسؤولين الكبار فيها، أي من هم في دائرة أمراء المناطق والوزراء والوكلاء والمدراء العموميين، واضحي التواجد في المناسبات الاجتماعية العامة، مثل الأعراس وقصقصة الشرائط وافتتاح المعارض وتوقيع العقود أمام الكاميرات وتسليم الشهادات للخريجين وتدشين شيء ما، مهما كان قليل الأهمية، وشديدي الاستمتاع بما يصاحب ذلك من الخطب الترحيبية وأدخنة المباخر المعطرة للأجواء.
عندما يكون المسؤول الذي تنطبق عليه هذه المواصفات لا يتمتع بنفس الحضور المقنع والملموس في محيط عمله، سوف يحاول الناس البحث عن الأسباب، وهل هي خاصة بذلك المسؤول بعينه، أم أنها ظاهرة متكررة تشمل أغلب الكبار المتربعين على كراسي المسؤولية.
المعنى الحقيقي لضيق وقت المسؤول في المجتمعات ثقيلة الحركة نحو المستقبل، لا يخرج عن إحدى الاحتمالات التالية. إما أن المسؤول مستحوذ على مسؤوليات متعددة، لكل واحدة منها مردودها المالي على جيبه، ولذلك لا يجد الوقت الكافي لإنجاز متكامل في أي واحدة من هذه المسؤوليات، أو أن هذا المسؤول مقيد في تحركاته الإجرائية وصلاحياته بنظام بيروقراطي كسيح، أو أن هذا المسؤول عديم الكفاءة ولكن الأقدار والظروف تسمح بوصوله إلى ما وصل إليه، أو أن هذا المسؤول يتمتع بعقلية مركزية لا تثق بقدرات الآخرين، أو أنه متسيب ومطمئن إلى حصانته ضد الرقابة، فيستغل الوقت الرسمي لإدارة أعماله وتنمية ثرواته الخاصة.
إذا ً عندنا من الاحتمالات: الاستحواذ الوظيفي المتعدد، ونقص الصلاحيات، وقلة الكفاءة، والعقلية المركزية، والتكسب الشخصي على حساب العمل الرسمي.
هل من مزيد؟.. أم أن هذا يكفي لفهم ضيق وازدحام وقت المسؤول ؟.