بتاريخ 26 ربيع الثاني 1435هـ قام الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بزيارة رسمية إلى جمهورية الهند تلبية لدعوة من الدكتور محمد حامد أنصاري نائب رئيس جمهورية الهند الذي كان في استقبال سمو ولي العهد، وآي أحمد وزير الدولة للشئون الخارجية في مطار أنديرا غاندي في العاصمة الهندية نيودلهي..
كان الاستقبال الرسمي والشعبي حافلا يليق بولي العهد.
وقد تصدرت الأخبار والتعليقات عن زيارة سموه التاريخية عناوين الصحف الهندية وكل أجهزة الإعلام التي أجمعت على ان الزيارة ستؤدي إلى تعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين وزيادة معدلات التبادل التجاري، منوهة بحسن المعاملة التي يلقاها العمال الهنود في بلاد الحرمين الشريفين.
وخلال الزيارة الرسمية بحث ولي العهد الأمين مع الرئيس الهندي براناب موكرجي العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها، وفي محل إقامة سموه استقبل نائب رئيس الجمهورية الهندية الدكتور محمد حامد الأنصاري والوفد المرافق له، واجتمع مع رئيس الوزراء الهندي الدكتور مانموهن سينغ حيث بحث الجانبان جميع أوجه التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، واستعراض أهم القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية وموقف الدولتين منها، وعقب الاجتماع بين ولي العهد ونائب الرئيس الهندي وبحضورهما جرى التوقيع على اتفاقية تعاون بين البلدين في المجال العسكري تشمل التعاون في التدريب وتبادل الخبرات والزيارات بين العسكريين.
وقد شرف ولي العهد مأدبة العشاء التي أقامها نائب الرئيس الهندي تكريما لسموه ومرافقيه، وألقى نائب الرئيس كلمة مستذكرا فيها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للهند، وزيارة رئيس وزراء الهند مانموهان للمملكة، حيث أسهمت الزيارة في وصول العلاقة بين البلدين لمستوى استراتيجي متميز.
على اثر ذلك ألقى ولي العهد كلمة هامة ومما جاء فيها:
(انه لمن دواعي سرورنا ان نرى الصداقة السعودية - الهندية تسير نحو آفاق رحبة من التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية لمصلحة الشعبين الصديقين والتي يحرص سيدي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله على تعزيزها.
وأضاف سموه يطيب لي ان أعرب عن ارتياحنا للتعاون والتشاور القائم بين الأجهزة المختصة في البلدين حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما نأمل في توسيع التعاون بين القطاع الخاص في البلدين في مجال الاستثمارات المشتركة لما فيه خير شعبينا وبلدينا الصديقين).
وفي ختام زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الرسمية إلى جمهورية الهند صدر بيان مشترك، حيث أكد الجانبان خلال المحادثات على أهمية تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، ومواصلة تطوير العلاقات في كافة المجالات بما بخدم المصالح المشتركة، ونوها بالنتائج الايجابية لاجتماعات الدورة العاشرة للجنة السعودية الهندية التي انعقدت في الرياض خلال شهر يناير 2014م، وما صدر عنها من توصيات لتعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتقنية.
وأكد الجانبان على اهمية تطوير التعاون الدفاعي، وخاصة في مجال تبادل الخبرات والتدريب. وأعربا عن ارتياحهما لنمو التجارة الثنائية في قطاع الطاقة، كما بحث الجانبان خلال الزيارة عددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك تطورات الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، والوضع في أفغانستان، وذلك في إطار حرص البلدين على أمن واستقرار المنطقة وسلامتها.
ولأن المملكة تضع القضية الفلسطينية والقدس الشريف في أولوية اهتماماتها منذ عام التقسيم 1947 وتأسيس إسرائيل عام 1948 فان البيان المشترك ركز على أهمية تحقيق سلام عادل طبقا لقرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية ومبادئ الشرعية الدولية بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولا ريب في ان توثيق العلاقات بين المملكة والهند وتعاونهما في دعم عملية السلام في العالم والشرق الأوسط في صراع العرب مع إسرائيل وتأييدها لمبادرة السلام العربية لحل هذا الصراع، ورفض سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين، كل ذلك يدعم الأمن القومي السعودي والعربي.
وقد كان الوضع المأساوي في سوريا حاضرا بقوة في المباحثات السعودية - الهندية فقد ركز البيان المشترك عن قلقهما البالغ إزاء خطورة الوضع في سوريا، وشددا على الحاجة الملحة لوقف قتل الأبرياء، ودعم الجانبان التنفيذ الكامل لبيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012، والذي دعا لإجراء مفاوضات بين كل الأطراف بما يؤدي إلى تشكيل هيئة الحكم الإنتقالية.
ولأن التطرف والإرهاب عدو للإنسانية ومعروف موقف المملكة ودورها في الحملة على الإرهاب فهي تطبق شرع الله نصا وروحا والإرهاب لا تقره شريعة الإسلام وليس من ديننا الخالد، والمملكة والهند تعرضتا لموجات خبيثة من الإرهاب، لذا جاء البيان المشترك مدينا للإرهاب والتطرف والعنف.
والهند عملاق تقدم سريعاً في برامج الفضاء والتكنولوجيا العسكرية فهو يملك صواريخ متطورة وقوة نووية وأصبح لها تأثيرها على الساحة الدولية وانعكس وضعها الجديد على خدمة مصالحها التي تعكسها قراراتها وتوجهاتها الدولية بقوتها الواعدة وتأثيرها في العلاقات الدولية، والمملكة حاضنة الحرمين الشريفين، مركز الدين الإسلامي يتطلع إليها أكثر من (1.5) بليون مسلم تتحكم بأكثر من ربع المخزون النفطي العالمي، وأكبر منتج ومصدر للنفط عالميا، وهي البوصلة التي تسيّر دفة الأوبك وتضمن الى حد كبير استقرار سوق النفط الدولية، واقتصادها يعد الثاني في الشرق الأوسط وهي عضو مجموعة العشرين، ومن أهم الأسواق المستوردة للسلع الهندية وتلعب دورا رئيسيا في نطاق السياسات الدولية والعربية والإسلامية، وتعتبر قوة عسكرية مؤثرة في الشرق الأوسط.
وبعقد المملكة شراكة إستراتيجية مع الهند من خلال اتفاقيات عديدة سياسية واقتصادية ونفطية وتوسيع دائرة التبادل التجاري والاستثماري، فان هذا يمثل بعدا استراتيجيا هاما، وخلال العشر سنوات الماضية بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين أكثر من (750) مليار ريال وبالنظر إلى حجم التبادل التجاري بينهما لعام 2012م يتبين ان صادرات المملكة للهند بلغت 120.8 مليار ريال شكلت نحو 8.3 في المائة من إجمالي صادرات المملكة البالغة 1.46 ترليون ريال لتحتل الهند بذلك المرتبة الخامسة كأكبر الدول التي تصدر لها المملكة.
أما واردات المملكة من الهند فقد بلغت قيمتها 19.6 مليار ريال، شكلت نحو 3.4 في المائة من إجمالي واردات المملكة وبقيمة 583.5 مليار ريال لتحتل المرتبة السابعة كأكبر الدول التي تستورد منها المملكة.
كما ان التوقيع على اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص بين البلدين بمختلف المجالات، التي تربطهما علاقات ثنائية تقوم على الاحترام المتبادل تبرز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والنفطية لتمثل محاورها الرئيسية ناهيك ان المملكة تستضيف أكثر من 1.5 مليون هندي يعملون في المملكة حيث يشكلون أكبر جالية من العمال الأجانب.
والدولتان المملكة والهند تربطهما علاقات ومصالح مشتركة فالهند تضم ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم يصل عددهم إلى أكثر من 150 مليون نسمة، ولا شك أن من النتائج الإيجابية للتعاون مع دول كبرى مثل الهند دعم الحوار وحل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية تأكيدا للشرعية الدولية ومبادئ الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والقانون والعرف الدولي.
والله ولي التوفيق