Sunday 23/03/2014 Issue 15151 الأحد 22 جمادى الأول 1435 العدد
23-03-2014

تاريخ الإعلام .. والتكريم 1-2

مساء الثلاثاء الماضي في الملتقى الإعلامي الرابع بالمنطقة الشرقية في مركز سنابل الخير بالدمام قام صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية بتكريم مجموعة من إعلاميي وإعلاميات المنطقة الشرقية: د. إحسان بو حليقة، مدير تلفزيون الدمام أ. سعيد اليامي، أ. منصور العدوان، أ. عبد الله الغشري - رحمه الله، أ. شريفة الشملان، أ. بينة الملحم وأ. نجاة باقر، وأنا ضمنهم، بدروع ثمينة معنوياً، وتلقت السيدات باقات ورد جميلة من صاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت نايف، استلمتها منها نيابة عني الصديقة العزيزة أمل نجم؛ لأنني لم أستطع حضور الحفل شخصياً.

تستعيد ذاكرتي شريط علاقة مجتمعنا مع الإعلام والوطن، متأملة تطورات ومستجدات تاريخنا القريب خارج نطاق أعداد الجرائد ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني والفضائي.

حتى السنوات الثلاثين الأخيرة كنا بخير.. وبعدها دخلنا دوامة الصراع على قولبة الفكر.

قبلها كانت مرحلة العمالقة: مرحلة إزهار وإثمار البراعم الأولى لنخبة من تعلموا في الداخل والخارج، ومن قدروا العلم والتطور حق قدرهما. كانت ساحة التفقه والتعليم الشرعي واضحة الحدود من حيث المحتوى، والهدف من وجودها، ودورها في المجتمع العام الذي تفتقر غالبيته للعلم الشرعي أو حتى قدرة الوصول مباشرة إلى مصادره، لافتقاد مهارة القراءة حتى بين أفراد الطبقة العليا اقتصادياً من أبناء التجار.. وبالتالي ساد الاعتماد على الحفظ وتقبُّل تفسيرات المتخصصين..كل مذهب على حدة.

أما ساحة الأدب والإبداع فكانت ساحة خاصة للقلة النخبة الموهوبين، يتحاورون ويتناقشون فيما بينهم من اهتمامات خاصة، قلما تتلامس مباشرة مع الأغلبية المفتقدة لنعمة محو الأمية، وربما يقتصر تذوقها للإبداع على سماع وحفظ القصائد النبطية، أو لاحقاً التسجيلات الغنائية المهربة.

أما الإعلام بمفهومه الحديث، أي التواصل ونقل الخبر والتأثير المباشر في معلومات الساحة العامة، الحميمة والبعيدة، وانفعالات المتلقي فيها، فلم يكن له وجود. كان الخبر يتناقل في المجالس شفاهياً، مخلوطاً بكثير من الشائعات ومحاولات التكهن بما هو نار وما هو دخان.. ثم انتظار ما يتكشف عنه الغد.

مع نشر التعليم تدريجياً، وتكثف حضور نخبة من الجوار العربي مثقفة في الجانبين (الفقه والأدب)، دخلت الجزيرة إلى مرحلة اختلاط الأغراض والأهداف، خاصة حيث لعبت هذه النخبة دورها من حيث التأثير المباشر واللا مباشر في نتاج ساحتي التعليم وصنع القرار.

تزايد المتعلمين ساهم في المطالبة بفتح آفاق الإعلام المسموع والمرئي لاحقاً للتواصل مع العالم الخارجي ومستجدات الفن والأخبار.

ومع تحسُّن الأحوال الاقتصادية، وتدفُّق المتعلمين العائدين من اغتراب الهجرة لأسباب مادية، تم تسريع الانفتاح الثقافي وزيادة الراغبين في دفع عجلة التقدم والرقي بالوطن والمجتمع إلى الأمام. لم يكن هناك تخوف من هذه المطالب، بل فقط من رؤى المفكرين والمؤدلجين المطالبين بتغيير معادلة المجتمع سياسياً. وتطوُّر وسائل الإعلام أشرع النوافذ للهواء والريح معاً. ومع هذا لم يصبح دور الإعلام واضحاً إلا في العقدين الأخيرين بعد الفضائيات. في البدء لم يكن هناك حضور في ساحة الإعلام لتيارات مؤدلجة سافرة التوجُّه والضغوط، تخدم أهدافها في توطيد موقعها، وإثبات استحقاقها للسيطرة على الفكر والتفكير وصنع القرار. كانت الريادة للنخبة التي كان همها التنوير الحقيقي للمجتمع على اختلاف مرئياتها. وحتى حين كانوا يختلفون في الرأي كان هدف التطوير خارج الاختلاف.

تلك كانت أيام النخب الواضحة التعبير والملامح والأهداف..

أما كوارث الأدلجة وتقزيم النمو الطبيعي للفكر فجاءت كالطحالب مع تكاثر نعم الله علينا مادياً في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، ونجحت في توظيف تطوُّر وسائل الإعلام والوصول والانتشار لخدمة أغراضها الربحية والمؤدلجة، واستشرت وتفاقمت أضرارها ممتصة قدرة المجتمع على النمو الصحي.

لعل الإفاقة من تأثير الغفوة، التي سبّبها بث مخدرات القنوات الإباحية والتأجيجية على السواء، توقف حتمية الاستسلام لغيبوبة الفكر.

وللإعلام دور مهم في تسريع الاستفاقة، بدأنا نراه مؤخراً يتصدى للتجهيل والتضليل الملثم والفضائي. ولعلنا عبر الإعلام مع نهاية العقد الثاني من القرن الحالي نقضي على استعمار الطحالب لعقول النشء.

وسأواصل معكم تناول الموضوع في حوارنا القادم.

مقالات أخرى للكاتب