أحزان الدنيا وأكدارها وفواجع الأيام ومصائبها لا تنتهي ولا تنقطع، وفي كل حين نُهيلُ التراب على عزيز من الأصحاب، أو قريب من الأحباب، ففي أسبوعين ودعت الأسرة العمرية ثلاثة رجال أعزاء، ومهما تعددت الأسباب فالموت واحد، وفجيعته عظيمة على المقربين من المتوفى، وقد تمتد لغيرهم من غير ذوي القرابة والصلة والمعرفة إذا كان لهذا الفقيد سيرة حسنة، وأعمال جليلة وأيد كريمة، وتاريخ حافل بالإنجاز والعطاء، فهو بذلك فقيد للجميع ولكل محب للخير والبذل والإحسان، وهنا سيكون الرحيل مؤلماً ومفجعاً، ومصاباً على الجميع، ولكن هذه سنة الحياة، والموت حق ولا محيص ولا مناص منه أبداً، يقول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء، ويقول تعالى وقوله الحق: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (49) سورة يونس، وإزاء ذلك لا يسعنا إلا أن نقول {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، اللهم أجبرنا في مصابنا وعوضنا خيراً منه.
وفي يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول لعام 1435هـ، ودعت مدينة بريدة وفي جنازة كبيرة علماً من أعلام الوطن، حيث شاءت قدرة الخالق أن يودع هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية الأديب والمربي الفاضل والصحفي اللامع ورجل الأعمال الشيخ ناصر بن سليمان العُمري، بعد أن ترجل ظهر يوم الخميس الثاني عشر من شهر ربيع الأول لعام 1435هـ، فارس الكلمة ورجل التاريخ والأدب الذي كان يشار إليه بالبنان كأحد أهم الشواهد على التاريخ السعودي الماضي والحديث، وعلى قيام الدولة السعودية، وهو ممن خدم دينه ووطنه منذ عهد التأسيس في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بل وكلف مباشرة وبأمر مباشر منه بمهام عدة، وعرف عنه التفاني في خدمة الوطن والإخلاص في القول والعمل، مع الحكمة والبصيرة وسداد الرأي، والثقة والأمانة، وكان جاداً في عمله، مما جعل كثيراً من المسؤولين يعتمدون عليه في كثير من الأعمال التي تتطلب الدراية والمهارة والحنكة وحسن التعامل.
والفقيد وُلد في بريدة في عام 1342هـ ووالده الشيخ سليمان العُمري طالب علم، وجده لأمه العلامة الشيخ عمر آل سليم رئيس قضاة القصيم في زمانه وعلم من أعلام العلم في بلادنا -رحمهما الله- ولذا فلا غرابة أن تكون تنشئته تنشئة علمية، بل ويزيد على ذلك أن والدته تقرأ القرآن الكريم وتجيد القراءة والكتابة، في وقت كان يندر فيه من يجيد ذلك، مما وفر له المناخ التربوي والتعليمي في أسرة علمية، فتعلم القراءة والكتابة في بيت والديه قبل أن يلتحق بالكتاتيب عند الشيخ محمد الصالح الوهيبي، ثم التحاقه بالدرس في جامع بريدة عند الشيخ عبدالعزيز العبادي والشيخ محمد بن سليم في مسجد الجردة، وبافتتاح المدرسة الحكومية الأولى في بريدة، كان من أوائل المنتظمين في الدراسة بها، لاسيما وأن شقيقه الشيخ صالح كان معلماً ومعاوناً لمدير المدرسة.
وحيث إن الشيخ ناصر ينتمي إلى أسرة علمية تجارية، فقد عمل بالتجارة وهو طفل صغير في محل تجاري شمال جامع بريدة يبيع فيه الأقمشة، وفي داخل المحل يكتب للناس الرسائل. كل ذلك وهو في مراحله الأولى، وعندما بلغ سن الرشد غادر مدرج صباه طالباً السعي للرزق والعمل بالأسباب والاعتماد على نفسه، وإن كان والده بيت عز وثراء فإنه أراد أن يكون معتمداً على الله سبحانه ثم على نفسه متمثلاً قول الشاعر:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على أحد
وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية التحق بالوظائف الحكومية مبتدئاً بالعمل في مالية الرياض (رئيس كتاب هيئة التموين بالرياض) ثم مفتشاً بالوزارة ومفتشاً بالجمارك، وعند تعيين الأمير مساعد بن أحمد السديري أميراً لمنطقة جازان عام 1367هـ طلبه شخصياً لمرافقته والعمل معه معاوناً في ديوان الإمارة، لما لمسه فيه من الكفاءة والنباهة وتحمل المسؤولية، وبعد مضي سنتين استأذن الفقيد من الأمير السديري بالعودة إلى الرياض ومنها إلى القصيم، لأنه لم يأت بعائلته معه.
وعاد للقصيم ولمهنة التعليم تحديداً في شهر محرم عام 1369هـ، وتعين مساعداً لمدير مدرسة الفيصلية الابتدائية وبقي فيها حتى عام 1376هـ بعد أن كلف بإدارة المدرسة لسنوات عدة، واعتذر إبان عمله في التعليم عن إدارة بعض معاهد المعلمين أنحاء المملكة التي أنشئت حديثاً في تلك المدة، وقد انتقل للعمل في دور الأيتام مفتشاً عاماً وكان عدد الدور في ذلك الوقت خمسة وعشرين داراً، ولم يمكث بهذا العمل طويلاً، فقد انتقل بعدها للعمل في وزارة المواصلات، وترك العمل في وظيفة كبير المفتشين وهي تعادل المرتبة الرابعة عشرة، هذه لمحة عاجلة وسريعة عن التعليم والعمل الحكومي للفقيد (رحمه الله) وهي محطة يسيرة من محطات هذا الرجل الرائد الذي سبق عصره وزمانه.
لم يكن العمل الحكومي هو مسار الشيخ ناصر العمري رحمه الله، فإلى جانب العمل الحكومي، كان له إسهامات وطنية تنموية في مجال الثقافة والإعلام وفي مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، فقد كان في شراكة تجارية مع أشقائه صالح وإبراهيم -رحمهم الله- منذ عقود طويلة في بيئة يسودها الألفة والمحبة والأخوة الصادقة، وحسن التعامل وقوة الترابط، والتعاون والتكاتف، وكانوا مثالاً يحتذى في قوة الترابط والتلاحم وصلة الأرحام والتسابق في أعمال البر والإحسان وإكرام الضيف، وهو طابع عام في أسرتهم، وهي أسرة يستعذب الناس ذكرها لمكارم خلق أبنائها، فهم مقصد ومأوى للأضياف وذوي الحاجة، كما كونوا لبنة صالحة في خدمة دينهم ووطنهم ومجتمعهم، ومما أكسبهم ثقة وتقدير ولاة الأمر منذ عهد المؤسس ونفوس المجتمع لما قدموه من خدمات جليلة، وأكد هذا التقدير صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز خلال لقائه رجالات الأسرة العُمرية وتقديمه العزاء في الفقيد والثناء على منجزاته الحضارية والأدبية والثقافية، وإسهاماته الوطنية, وعلى عموم الأسرة وتاريخ رجالاتها الطيب الذكر والسيرة الحميدة لهم.
عمل الشيخ ناصر في الصحافة كاتباً في أكثر من عشرين مطبوعة منذ ما يزيد على ستين عاماً، كتب خلالها العديد من المقالات التي تجاوزت الألف مقالة والقصائد، وكان إلى جانب الكتابة الصحفية مؤسساً ومساهماً في تأسيس صحيفة القصيم وجريدة الجزيرة وتأسيس مطابع القصيم في الرياض وبريدة، وهي من بواكير المطابع في المنطقة الوسطى، وتشرفت بطباعة أمهات الكتب إلى جانب طباعة صحيفتهم صحيفة القصيم، وأسهم في تأسيس شركة أسمنت القصيم, الذي كان فكرة اقتصادية بعيدة الرؤى في حين كان يراها البعض ضرباً من العبث والتهور بما في ذلك بعض مسؤولي وزارة التجارة. ومما حدثنا به العم ناصر عما واجهوه من صعوبات في الحصول على التصاريح اللازمة من وزارة التجارة آنذاك والرفض ما يقعد ويثبط، ولكن الرغبة الصادقة والإلحاح ومن قبل توفيق الله جعل الفكرة في حيز التنفيذ، ليصبح من أهم مصانع الأسمنت في المملكة ويسهم في التنمية منذ ما يزيد على أربعين عاماً، وكان ولا يزال الأعمام وأبناؤهم من كبار المؤسسين والمساهمين.
تميزت أطروحات الشيخ ناصر بن سليمان العمري من خلال كتاباته الصحفية المتعددة وعلى مدى عقود طويلة بالصدق والوضوح والشفافية وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، وعرف بالرزانة ورجاحة العقل وبعد النظر، وكان من الغيورين على دينه ووطنه صادقاً في ولائه وإخلاصه لولاة أمره، ولن تنسى أروقة الصحافة وأوراقها وتاريخها مواقفه الإيجابية في مواجهة الناصرية وحملتها الشعواء على المملكة وتبصير العامة والخاصة بخطر الشيوعية وكذب إدعائها، ولم يأل جهداً في سبيل نشر الوعي بأهمية نشر التعليم على أوسع نطاق وتوسيع نطاق الخدمات وربط المدن والقرى بشبكات الطرق، فصار محل احترام وثقة ولاة أمور هذه البلاد. ولم يخل زمان ومكان من حاسد وصاحب هوى وأعتم كالخفاش يعشق الظلام، وعانى العمري من بعض المغرضين والمنتفعين الذين يقدمون مصالحهم الفردية على مصلحة الوطن أو كان لهم حسابات سابقة في مناهضة عبدالناصر وأبواقه، وما حدث له حدث لرفيق دربه في مسار القلم النزيه الشيخ زيد بن فياض فكلاهما ترجلا عن سلك العمل الحكومي بطريقة واحدة، وهما من حملا أكفانهما على أقلامهما دفاعاً عن الدين والوطن في حين كان البعض يتلمس الرخص والأذونات لقضاء الإجازات في حمى عبدالناصر متظاهراً بعلاج أو بغيرها، وكانت أولى الكتابات الصحفية له منذ ما يزيد على خمسة وستين عاماً شملت مجموعة من الصحف والمجلات كالمنهل والبلاد والقصيم، الندوة، قريش، الرائد، المدينة، الرياض والجزيرة، عكاظ، اليمامة، وأم القرى، والصحف الخليجية.
وفي عهد صحافة الأفراد أسس أخوه الشيخ صالح العمري صحيفة القصيم وكان عوناً له في رئاسة التحرير ونهضا بها حتى توقفت مع توقف صحافة الأفراد، وكان العدد الأخير من الصحيفة رقم 216 وتاريخ 28-10-1383هـ وهو آخر عدد صدر من الجريدة بعد قرار وزارة الإعلام إيقاف جميع صحف الأفراد، وواصل مسيرته الصحفية تلبية لطلب رفيق دربه الشيخ عبدالله بن خميس بعد تأسيس جريدة الجزيرة، وكان من المشاركين في إدارة التحرير منذ العدد الأول للصحيفة، ثم ما لبث أن ترك العمل الإشرافي ليقتصر على الكتابة فقط، وكانت جريدة البلاد آخر محطاته الصحفية كتابة.
تميزت مقالات الشيخ ناصر العمري بمميزات عدة لعل من أبرزها الرؤية الاستشرافية وبعد النظر، والمطلع على المقالات القديمة في الشأن الاجتماعي يظن بأنها كتبت للتو مما يؤكد على ريادته وأنه سابق لزمانه، وهذا ما قاله له رئيس التحرير في جريدة البلاد الأستاذ عبدالله عريف في زمانه عقب مقالة كتبها العمري. ومن المقترحات والموضوعات التي سبق له طرحها في الصحافة:
- الدفاع عن الوطن ضد الحملات الناصرية والشيوعية الشعواء.
- الدفاع عن قضية فلسطين.
- الدفاع عن قضايا البلدان العربية والإسلامية المستعمرة، وفضح وحشية المستعمرين.
- تبيان التحامل الغربي على قضايا الإسلام والمسلمين وتعطيل حقوقهم ومصالحهم، وخصوصاً أثناء الاستعمار الأجنبي لعدد من البلدان العربية والإسلامية، وخلق المشكلات الحدودية عقب نهاية الاستعمار لإشعال فتيل الخلاف والنزاع بين البلدان الشقيقة المتجاورة.
- اقتراح إنشاء مصانع سيارات في المملكة.
- اقتراحه الاستفادة من الغاز المحرق وتحويله في خطوط وأنابيب ومد المصانع بها، وإنشاء مناطق صناعية لهذا الغرض.
- اقتراحه بتعميم خط السكة الحديد بين مدن المملكة.
- مطالبته بالاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي في مكة المكرمة.
- مطالبته بإنشاء أندية أدبية.
ومما يذكر في كتابته وتميزه ليس تفرده في أسلوبه الرصين وقوته في الطرح، بل تعدى ذلك إلى فقهه الواسع وفكره الوقاد حين توقع قدوم الهاتف المرئي والمتنقل، قبل خروجه وتصنيعه.
ولم يكن الفقيد كاتباً صحفياً فحسب بل كان خطيباً مفوهاً وأسند له بأمر الملك فيصل - رحمه الله - أن يلقي كلمة الشعب السعودي في الحملة الوطنية الشعبية السعودية لنصرة فلسطين، وألقاها أمامه في الرياض يضاف إلى ذلك أنه شاعر ملتزم سخر شعره لدينه ولبلاده ولمجتمعه، واستشهد هنا بقصيدة ألقاها بين يدي الملك سعود -رحمه الله- عام 1376هـ ومنها:
سعود الدين والدنيا جميعاً
يشع المجد من برديه نورا
به الدنيا قد ازدهرت وتاهت
به السمحاء انبتت القصورا
فسائل عنه مملكة وشعباً
يجبك الشعب معتزاً فخوراً
بأن سعوده أولاه علماً
وعدلاً من حكومته وفيرا
وفي عام 1396هـ عاوده الحنين مرة ثانية إلى مدينة بريدة مهوى رأسه ومسرح طفولته واستقر بها مع شقيقه صالح - رحمهما الله - حيث عاد الإثنان واستقرا منذ ذلك العام، ليشرفا مباشرة على مشاريعهما العقارية والصناعية والزراعية والتجارية، وقد قال بهذه المناسبة قصائد عدة يودع فيها الرياض ويبين شوقه لمحبوبته بريدة، ومنها قصيدة يقول في مطلعها:
تركت الرياض وأهل الرياض
وما في الرياض من المغريات
وعدت إلى موطني مسرعاً
أحث الخطى لجميل الهبات
إلى آخر القصيدة الفياضة بالمشاعر، ولم يقف الوجد والشوق على هذه القصيدة فقد قال قصائد أخرى في ذلك ومنها قصيدة (بريدة) وهي معشوقته الأولى:
أم القصيم تلفتت فأجبتها
لبيك بالكلمِ الرصين مقالي
وصف تزين قد أتت كلماته
تجلو العمى عن مغرض أو غالي
بلدي وما بلدي علي رخيصة
ويل الشجي من العذول السالي
لو كنت أملك قدرة لفرشتها
بالدر والياقوت من أموالي
أم القصيم (بريدة) أعظم بها
وطن الشهامة والإبا المتعالي
لله للتاريخ ماضي أهلها
ليسوا بأهل الذل والإخمالِ
ومع إشرافه غير المباشر على أعماله، فقد كان له مجلس يومي في الضحى، يفد إليه العديد من الضيوف يتبادلون الحديث في التاريخ والأدب وشؤون المجتمع، ومجلس آخر عصر كل يوم غير أن المجلس المسائي يحضر له من لا تمكنه ظروفه ومشاغله الوظيفية من الحضور، وكان لمن يفد من خارج بريدة نصيب من هذا المجلس حينما يزور هذه المدينة، وكان يأنس بهم ويتحدث إليهم، وعلى الرغم من أنه يملك أسهماً كثيرة في شركة الكهرباء إلا أن حرصه على مصالح الناس كان مقدماً على مكاسبه الشخصية، فقد كتب مطالباً من ولاة الأمر بالسعي لتخفيض سعر الكهرباء من بال التيسير على الناس، وكتب كتاباً للأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- كتاباً مع أبيات شعرية قال فيها:
سعر الكهرباء ثقيل
على نفوس الأهالي
والبعض منهم فقير
يسعى لرزق العيالي
وأنت عدل كريم
محمود كل الخصالي
فخفض الحمل عنهم
وخذ بسعر مثالي
والشعب يمشي لخير
على طريق الكمالي
والفهد دوماً وفي
يسمو ببذل المعالي
ولي مع العم ناصر -رحمه الله- ذكريات جميلة، لا يتسع المجال لذكرها بدءاً بحثه لي على التعليم، ووصاياه الدائمة بالعلم النافع والاهتمام بمعالي الأمور، تشجيعه المعنوي لكل خبر سار يسمعه عن أبناء أخيه، وحثه لهم على الهمة العالية، وكلما زرت بريدة كان له سويعات خاصة أسمعه فيها بعض أشعاري ويسمعني من قصص طيبة وأخبار عن أخيه الأكبر (غير الشقيق) والدي الشيخ محمد بن سليمان العُمري ما يسلي به خاطري، وربما ذكر بعض القصص أكثر من مرة ولاسيما إذا كان من في المجلس من لم يسمع بالقصة، فيقول هذا ابن الأخ محمد ثم يأتي بأخباره السارة التي تبهج النفوس وتشفي الصدور، ورغم فارق السن كنت أحظى بأوقات ثمينة باتصالات هاتفية منه وكان لي شرف الإشراف على طباعة ومراجعة كتابه الأول (ملامح عربية) الذي طبع بدار الشبل، وكنت أغشى مكتب الأستاذ الأديب عبدالرحمن الرويشد صاحب المطبعة والدار وأتولى مراجعة الكتاب حتى صدوره، وهو كتاب متميز في فنه وأصبح مرجعاً للباحثين والمؤرخين لتاريخ المملكة العربية السعودية، ويحكي قصصاً عن تاريخ بريدة، والعقيلات، والكثير من الأسر، والقبائل السعودية، ويحوي العديد من القصص والأخبار التي تعزز القيم والشهامة ومكارم الأخلاق، وله كتب أخرى منها مجموعة قصصية (وفاء) وديوان شعري (مشاعر عربية) وكتاب ذكريات الذي أصدره ابنه الأستاذ ماجد بن ناصر العمري هذا العام 1435هـ، وكتب الناشر تعريفاً عن الكتاب وصاحبه قال فيها: (لكل منا قصة تستحق أن تروى، فما بالك بالرواد الذين صنعوا طرقاً جديدة، أسسوا وبنوا، وشاركوا مع الآخرين مراحل العطاء والتأسيس).
حكاية وطن، ومرحلة مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية لرجل أعمال وأديب ومعلم ومربي وصحفي مخلص عايش وعاصر الكثير مما عاشته البلاد، التقى بالملك عبد العزيز والملك سعود والملك فيصل وغيرهم من الأمراء والوزراء والعلماء والمثقفين، وكان مثالاً للمواطن الناصح الصالح، شجاعته لا تمنعه من أن يكون معتدلاً منصفاً.
بدايات التعليم النظامي في السعودية، تعليم القصيم، إسمنت القصيم، بدايات التجارة والزراعة والصناعة، صحيفة القصيم وصحيفة الجزيرة وريادة الصحافة وبداياتها. شارك بتأسيس كل ذلك وأكثر).
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مما يبقى للإنسان بعد وفاته العمل الصالح والعلم والدعاء والصدقة الجارية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم في صحيحه، وقد كان الفقيد محباً للخير والبذل والإحسان مع المحتاجين وعن طريق الجمعيات والمؤسسات المختصة، ومن ذلك أنه قدم لعدد من الجمعيات إسهامات وتبرعات باسم (فاعل خير)، كما أسهم في بناء مساجد في الداخل والخارج وقدم للأمين العام المساعد السابق لرابطة العالم الإسلامي فضيلة الشيخ محمد العبودي مليون ريال تبرعاً على المشروعات التي يراها مناسبة ومشروعات خيرية متعددة، وآخر أعمال البر له قبل أشهر وقف بقيمة 5 ملايين ريال، وتكفله بمشروع إنشاء وقف تعليم الفتيات للقرآن الكريم ببريدة بـ 15 مليون ريال.
كما أسهم في طباعة الكتب والمصاحف ومنها طباعة 5000 نسخة من صحيح البخاري 20 ألف مجلد، وطباعة 5000 نسخة تفسير ابن كثير. وزعت على المراكز الإسلامية خارج المملكة، وقد كان لي شرف الإسهام في توزيع بعضها في أكثر من خمسة وأربعين بلداً.
وقبل أن أختم مقالي هذا أعرض للقراء بعض ماكتبته من أبيات سريعة لحظة الوداع جالت في خاطري ساعة الحدث، فقلت في وفاة العم ناصر رحمه الله:
أعزيك نفسي وأبناء عم
بفقد الأديب الأريب الأشَمْ
أُعزي بريدةَ في ابنها
وعاشقها الناصر المُحترَمْ
رأيتُ بريدةَ قد ودعت
حبيب القصيم بدمعٍ وَدَمْ
رأيت عليها دموع الأسى
وتبكي بحزنٍ.. جميل الشِّيمْ
لقد كان يبغي لها رفعةً
ويشحذ في النابهين الهممْ
وداعاً وداعاً أيا عمنا
فقيدُ البيانِ فقيدُ القلمْ
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم جازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، وطيب ثراهم وأكرم مثواهم واجعل الجنة مستقرهم ومأواهم.