التغير سنة من سنن الكون، ولو بقيت الحياة كما عهدها القدماء لكان حالنا شبيه بحالهم، ولكن طبيعة البشر تفرض عليه عدم الاستقرار على حال والبحث عن وسائل وطرق يحقق بها مستوى أفضل في المعيشة، ومع ذلك في كل حقبة زمنية وفي كل جيل هناك من البشر من كان يرفض التغير ويقاومه بشتى الطرق وبحجج يسوقها للناس في سبيل إقناعهم للإحجام عن التغير، بعض هذه الحجج مغرقة بالخرافة وتنطوي على إخافة الناس من ويلات التغير وثبورها، وبعضها تعتصم بالدين والغضب الإلهي من التغير.
وأقلها تمجد سيرة السلف وتؤصل مقولة «إن كل جيل أسوأ مما قبله بسبب التغير عما كان عليه الجيل الأسبق»، ومن حسن حظ البشر أن المقاومون للتغير هم قلة في كل جيل وكل مجتمع، وتأثيرهم قليل ما لم يرتبط بسلطة، لذا كانوا دائما يسعون للتأثير على الحكام وذوي الأمر وفي غير مرة على مر التاريخ نجحوا في ذلك فأضحى صاحب السلطان واحد منهم.
لذا تأخرت أمم وتقاعس أثرها في الحضارة البشرية وتقدمت أخرى غيرها، ومن حظ البشرية أن السيادة بين الأمم كانت سجالا ونزالا فأصبح التغير حتمي لاكتساب السيادة والنمو.
أعداء التغير ليسوا بشراً مختلفين عن باقي الناس في الفهم والإدراك، ولكن لهم مصالح يعتقدون أن التغير يهددها وقد بنوا أمجادهم على أسس يهددها ذلك التغير، بل إن أعداء التغير هم في المعتاد من المتميزين في المجتمع إما بالمرتبة المستحقة بفضل العلم والتدين أو من ذوي الوجاهة بالحسب والمال، ونظراً لمكانتهم في المجتمع فتأثيرهم يتخطى دوائرهم الخاصة ويتعدى لفئات المجتمع كافة بما في ذلك ذوي الأمر والنهي، بل إن كثيرا من فئات المجتمع المتواضعة إطلاعاً وإدراكاً وطموحا، تتأثر بما يفضي به أعداء التغير فتصبح هذه الفئات هي الجنود الذين يرددون كلامهم وربما يثورون منافحة عن طروحات أعداء التغير، وقد تنموا مقاومة التغير بفضل الجنود فتعوق التنمية وتعوق سيادة الدول وسؤددها.
أعداء التغير يعادونه لأنه يهدد مصالحهم المالية والاجتماعية، وهم لا يهتمون بالفائدة التي ربما يجنيها التغير للمجتمع، فذلك يجعلهم أقل سلطة وأكثر عرضة لفقدان التأثير، فالمجتمعات البشرية على مر العصور تبنى على طبقية تحددها وتحميها المصالح والتأثير والتغير يخلق حالة من عدم الاستقرار في المجتمع فتخبو أمجاد وترتفع أعقاب وتندثر ثروات وتبرز إنجازات ويصبح ذليل الأمس عزيز اليوم، لذا يخاف من اكتسب في الحياة ثروة أو مجد أن يفقد ذلك لآخر يأتي من خلف الصفوف، لذا يجتهد في مقاومة التغير، ولكن التغير كمحصلة تاريخية ظاهرة عارمة لا يقف أمامها جبروت ولا سلطان، فهي سمة الحياة وديدنها ولو أدرك أعداء التغير حقيقة الحكمة القائلة «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك» لعرفوا أن مقاومة التغير هي ظاهرة خوف نفسي غير واقعية، وربما أن المسير مع التغير هو الوسيلة الوحيدة لاكتساب استطالة حالة السيادة الاجتماعية بحيث يكون لهم حق المساهمة في إدارة التغير والتأثير وحفظ دورهم الاجتماعي في حين أن مقاومة التغير تقصيهم بصورة إرادية وتخلق لغيرهم أدوار كانت لهم.
العبرة من مقالي اليوم هي أن التغيرالذي بات يحيط بنا لا شك سيغمرنا في يوم ما وكلما حاولنا مقاومته فستشتد سطوته والأجدر بنا هو استيعابه وإدارته والاستفادة مما سيجلبه لنا من مصالح، ولا شك أن في كل تغير مصالح ومطالح، فالمصالح تتعاظم عندما يدار التغير بحكمة والمطالح تسود عندما يقاوم التغير بعناد وخوف، لذا علينا التركيز على جلب المصالح.