هذا عنوان كتاب صدر قبل أيام للباحث الأستاذ خالد بن عبدالله العجاجي, أهداني أحد الأحبة نسخة منه, يقول مؤلفه «بدأت قصة هذا الكتاب في حديث عن الطوالع والنجوم مع الشيخ مناحي بن عبدالله العتيبي أثناء ترائي الهلال بالقرب من الرياض. أبدى الشيخ الحاجة لوجود شرح لقصيدة محمد العبدالله القاضي رحمه الله, فبدأت بقراءة القصيدة وتفسير معانيها وتوضيح النجوم المذكورة فيها, ولما انتهيت من وضع الشرح كانت مادته كافية لكتاب صغير ربما أضاف شيئا للمأثور الشعبي الفلكي..».
وذكر الباحث أن «القصيدة من مأثورات الشعر الشعبي, وبعض مفرداتها ربما تكون غامضة, بالإضافة للإشارات الموجودة فيها لبعض النشاطات الزراعية والطبية القديمة..», وفي التعريف بالقصيدة على صفحة الغلاف الأخير قال «قصيدة الأنواء والنجوم كنز من كنوز المأثورات الشعبية الفلكية في الجزيرة العربية التي وصلتنا عبر أكثر من قرن ونصف من الزمان».
وأشار إلى أن للقصيدة شروحات سابقة مختصرة» وذكر منها شرح كاتب هذه السطور في كتاب (شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي) الذي اعتمد عليه الباحث في نص القصيدة, وشرح الأستاذ سالم بن بشير ضمن كتاب (الأنواء ومنازل القمر), وكتاب (مفاتح القصيدة الفلكية) للأستاذ عايد بن رويشد الحازمي. ثم أشار إلى أن «شرح هذا الكتاب عالة على معاجم الشيخ محمد بن ناصر العبودي المتعددة مثل معجم (الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة) و(معجم الأنواء والفصول) ومعجم (النخلة) وغيرها».
وذكر الباحث أن شرحه سيكون «مركزا على معرفة النجوم التي ذكرها القاضي رحمه الله التي يستدل بها على الطالع وتوضيحها بالصور مع شرح المعاني والشواهد الشعرية الأخرى..».
والكتاب وقور في شكله, حسن في إخراجه, جيد في مجاله وقد بذل فيه مؤلفه جهدا مشكورا ينم عن خبرة واطلاع واهتمام في مجال الفلك والأنواء لا على مستوى المأثور الشعبي بل على المستوى العام لهذا العلم الذي اهتم به عرب الجزيرة قديما وحديثا لعلاقته الوطيدة بالزراعة والطب, فهو كما قال راشد الخلاوي:
حساب الفلك بنجم الثريا مركّب
يحرص له الفلاح والطبيب
والخلاوي أشهر شعراء النبط معرفة بهذا العلم, وقد تجلت خبرته فيه في أبيات متناثرة من شعره الذي لم يصلنا منه سوى القليل, ولعله أول من فتح المجال لشعراء النبط للنظم فيه.
وأظن أنه لا يوجد في الشعر النبطي منظومة تامة خاصة بالأنواء سوى قصيدة القاضي هذه, وقصيدة الشاعر عبدالله بن عبدالعزيز الشوشان رحمه الله (ت 1431هـ) التي مطلعها:
يقول من سهر يولف غرايبها
يسبك نجوم الوقت سهر يحسبها
وإذا كانت المعلومات الزراعية التي يقدمها الفلكيون للمزارعين دقيقة ومجربة فإني أتساءل هنا عن دقة المعلومات الطبية التي يذكرونها, كقول القاضي -مثلا- في هذه القصيدة:
و(سماك) مع (غفرٍ) كما القوس وصفه
(وزباناه) نجمينٍ كرمحٍ معانق
تكثر عواصفها به الظل سبعة
وعن الفصد والمسهل نهونا الحواذق
به القطع للأشجار والأثل والنخل
يصلح عن القادح من الدود عاتق
يحسب للمؤلف أمانته العلمية, وإلمامه واطلاعه على معظم المأثور الشعبي في هذا المجال, وحسن عرضه, وجودة لغته, وتركيزه على غاية الكتاب وعدم توسعه في هذا البحر الزاخر الذي تضل في مجاهله القطا, ولعله - أو غيره من المهتمين- يطالعنا فيما بعد بدراسات أدبية فلكية مماثلة يجمع لنا فيها كل ما قيل من شعر فصيح ونبطي حول الطوالع والنجوم.