ربما تكون المقارنة بين شخص وبلد غير موضوعية، حتى لو كان الشخص المطروح للمقارنة من ذوي الصفات الخاصة؛ ولعله من أجل ذلك كان استثنائياً، وصالحاً للتقريب إلى نموذج السعودية.
كان آينشتاين واحداً من العلماء البارزين القلائل الذين لم تكن لديهم ثقة بما اقتنعوا به في الابتكارات العلمية التي توصلوا إليها. فقد كانت نظريته الفيزيائية الجديدة خارجة على كل الأطر السابقة المعروفة؛ وهي سمة مميزة لكثير من الفتوحات العلمية، التي جرت في تاريخ البشرية. لكنه بعد أن ضجت الناس، خاصة أصحاب الاختصاص من جرأتها و»شطحاتها»، بدأ آينشتاين نفسه يعدل فيها قليلاً، لكي يمتص تلك الثورة المضادة، وتحصل نظريته على شيء من المقبولية.
غير أن علماء كبار في حقل الفيزياء أكدوا بعد اشتهار تلك النظرية، بأن الشطحات الأولى التي أتى بها عقل آينشتاين كانت صحيحة، وأن التعديلات هي الخاطئة.
أما في السعودية، فإن كثيراً من الخصوصية قد أبعدت هذا البلد عن المعايير المعتادة عالمياً، سواء في الإطار الاجتماعي أو الشكليات المتعلقة بالملبس أو المسكن أو النزهة، وعدد من مناحي الحياة المختلفة.
كما أن ابتكارات مستغربة الحدوث، ويحكى بها في وسائل الإعلام الأخرى على أنها من النوادر، تجري في هذا البلد على أكثر من مستوى. لن أحكي عن الفتاوى الغريبة، وما يتبعها من تهييج البسطاء، وسحبهم إلى مناطق خارج العقلانية، بل وحتى خارج الإنسانية، وشروط الحياة الكريمة للكائنات الحية في المجتمعات الموجودة على الأرض.
كثير من سكان الأرض يعرفون آينشتاين، حتى أنصاف المتعلمين، وغير المتخصصين في العلوم التطبيقية. لكن قليلاً منهم يعرف أن النقلة الكبيرة التي أحدثها في علوم الفيزياء، وما تفرع منها، لم يكن إلا في قصاصات لم تتجاوز أربع صفحات؛ هي التي نال عليها جائزة نوبل، وأحدثت ما غيرت أنماط الدرس الفيزيائي. كما أن تلك الأصول المكتوبة قد تعرضت إلى التحريف على يد العبقري الفيزيائي نفسه، لخوفه من الاصطدام بما كان سائداً في عصره. ومعلوم، أن قوة السائد لا يتصدى إليها كل إنسان، حتى وإن كان ممتلئاً علماً، وحريصاً على تصحيح ما هو سائد.
في المقابل تتميز السعودية بسمات؛ لو استغلت جيداً، لجعلت منها بلداً نموذجياً في ثقافة الشرق المتوسط (أو الأدنى على اختلاف تسمياته). فهي تتوافر على إقليم جغرافي واسع، وممتد بين ممرين مائيين مهمين، وفي وسط قارات العالم وبين أجزائه الكبرى، كما تتصف بثقافات متنوعة، وتملك أيضاً مناطق مقدسة لثلث العالم، الذي ينتمي إلى ثقافتها العامة. وإضافة إلى ذلك لديها مخزون كبير من الطاقة، التي يحتاج إليها العالم جميعاً، ولا يوجد فيها إلى الآن كثافة سكانية تعيق التخطيط التنموي، أو تحدث مشكلات كبيرة آنية أو مستقبلية.
كل هذه العوامل تؤهل هذا البلد أن يكون واحداً من البلدان، التي تتبوأ منطقة الوسط بين كتل العالم البشرية في الوقت الحاضر؛ فما الذي يمنع من تحقق ذلك، ويجعل تنافسها محدوداً بالضدية ومقاومة بعض الأجندات الإقليمية؟
أظن أن متلازمة التردد، التي كان يعاني منها آينشتاين على المستوى الفردي، هي ما تجعل ثقافة التنمية لا تسير بخط أفقي واحد. ففي قضايا المرأة على وجه الخصوص؛ كم من القرارات اتخذت، ثم تراجع أصحابها عنها على المستوى الثقافي والاجتماعي والتنظيمي؟ وقد أصبحت هذه الأوضاع الغريبة مثار استغراب في زوايا الأخبار النادرة في الصحف العلمية، مثل: نية السعودية بناء معامل لا يسمح لغير النساء بدخولها. وقد قرأت تعليقاً عنه في جريدة عالمية: «من يمكن أن تخطر على باله مثل هذه الفكرة»؟