تبدو مفردة أو مصطلح (التصنيف) مصطلحاً مألوفاً معروفاً في كل العلوم الطبيعية والإنسانية، في علم النفس يعد المصطلح مألوفاً حيث يطلق على تصنيف الأمراض النفسية مثل القلق والخوف...، وعلى الأمراض العقلية مثل الهوس والاكتئاب...، وفي العلوم يستخدم لتصنيف الحيوانات والنباتات والمعادن وغيرها، وبالتالي لا مشاحة ولا حساسية من استخدام هذا المصطلح (التصنيف) باعتباره مفردة علمية ذات دلالة في التعريف بالمتشابهات أو ما يمكن جمعه وفق معايير ومؤشرات ودلائل وسمات تجمع تحت عنوان واحد شامل جامع مانع، للتعريف بها، والتدليل عليها والتمييز بينها وغيرها من المصطلحات الأخرى.
سيبقى مصطلح التصنيف ضرورة علمية متداولة في المؤسسات العلمية، وسيتم تداوله بين عامة الناس بشرط أن يلتزم من يستخدمه بالمعايير العلمية والأخلاقية، والضوابط والدلائل والسمات التي تحكم أطر استخدامه في تبويب المعرفة والتدليل عليها والتعريف بها بكل صدق وموضوعية وتجرد من أهواء الذات وتحزباتها الضيقة، أو لي الحقائق وإخراجها من أطرها المعتبرة منطقاً وعقلاً.
لكن في الوقت الحاضر أضحى هذا المصطلح أو المفردة (التصنيف) عنواناً للانتقام وتصفية الحسابات بين المخالفين والمختلفين، عنوانا لإثارة المخاوف والهواجس، وغدا الكل يخشاه ويحرص على أن يتجنب كل ما قد يفضي إليه، كي لا يلحق بدوائره الواسعة التي صارت مداخل للظلم والعدوان، مداخل تجللها ظلمة مخيفة من التجني وإلصاق التهم، وإثارة الكراهية والبغضاء، والإقصاء والاستبعاد، وإلحاق الضرر والإيذاء، والتشكيك في الخصوم وتصفيتهم، والطعن في ولائهم السياسي، وانتمائهم الوطني، وهذان المدخلان (الولاء - والانتماء) يعدان من أكثر المداخل أهمية وأولوية لدى المصنف، وفي الوقت نفسه من أكثر المداخل سهولة وخطورة، فمن بوابتهما يتحقق الاستعداء، ويحصل الاستبعاد.
ومما زاد الطين بلة، أن الكل يحمل لواء التصنيف، وأن حال جلهم يشبه تماماً حال حاطب الليل، الذي يعاني من عدم وضوح الرؤية، بل إنه مصاب بحول أفقده رؤية الحقائق كما هي في الواقع، لهذا يأتي حطبه خلطاً بين المفيد والضار، وهذه حال المبتلى بداء التصنيف، أمره كله خلط في خرط، لا يتثبت ولا يتحقق، ولهذا ثبت يقينا أنه لا يأتي بخير، بل إنه يأتي بالبصائر حولاً، بضاعته مزجاة فاسدة، لأنها قائمة أساساً على نوايا شريرة، وتصورات حول، وظنيات منسوجة من خيالات وتوهمات مريضة، وأحكام مسبقة، كل ما يقوم به مجرد تجميع مقولة هنا أو هناك، أو زلة لسان عابرة، أو موقف اتخذ في ضوء معطيات معينة، وفي فترة زمنية معينة، كي يستند إليها في إلحاق المصنف ضمن دائرة من دوائر التصنيف التي ربما لم تخطر ببال المصنف البتة، بل لا يعرف عنها سوى عنوانها المتداول بين عامة الناس.
ومن دلائل شغف المبتلى بداء التصنيف، أنه بمجرد ان يرد اسم أحد ما في مجلس عام، أو يتم تداول رأي له أو موقف، إلا ويبادر متسائلاً مستعجلاً، طارحاً السؤال المشهور وش يصير؟ عندئذ يأتيه الجواب الساخر، إنه آدمي مثلك ومثلي، يرد المبتلى بالتصنيف، أعرف أنه آدمي مثلي ومثلك، لكن أقصد فكره فكره وش يصير؟.
عندئذ يبدأ المصنف بالبحث والتنقيب عن الزلات والسقطات والمقولات ليسقطها على من يرغب في تصنيفه تحت العناوين المعروفة المشهورة، (سلفي، إخواني، سروري، جامي، صوفي، إمامي، إباضي، أشعري، ليبرالي،......) وحيث إن هذه العناوين وغيرها صنعت وفق تصورات فكرية يأتي الدين والتدين في مقدمتها، ولبعضها الآخر وفق مواقف في السياسة وفي العديد من جوانب الحياة الاجتماعية، يحرص المصنف على تتبع المطروح اسمه ليضعه تحت عنوان من العناوين السابقة، تمهيدا لبيان الموقف منه، وكيفية التعامل معه، والتحذير منه وإقصائه، والذي أستغربه كيف أن المصنف يحمل ذمته وزر حشر أحد تحت بعض العناوين السابقة المعروفة بانحرافها لمجرد الظن دون أن يتثبت أو يتحقق، إنها بلوى التصنيف.