كثيراً ما كنا نردد أن أزمتنا ترتبط بالأرقام الدقيقة، التي لو توافرت لأمكن إجراء دراسات وبحوث، ووضع خطط استراتيجية للمستقبل.
ومن بين ذلك عدد المرضى النفسيين في المملكة، وعدد المرضى الذين يحتاجون إلى عناية خاصة وتنويم، وعدد مدمني المخدرات بأنواعها، الذين يراجعون المستشفيات لعلاج الإدمان، والذين يهملون الأمر.
فالأرقام التي تعلنها وزارة الداخلية كل فترة، المتعلقة بكميات المخدرات التي تم إحباطها بواسطة الجمارك، هي أرقام مخيفة ومرعبة.
فأكثر المواطنين يتساءلون: إذا كانت هذه الكميات أحبطت فما الكميات التي دخلت فعلاً، التي كان ضحيتها شبابنا البريء؟
ما نعرفه أن ثمة مستشفى وحيداً متخصصاً في معالجة الإدمان في الرياض، هو مستشفى الأمل، الذي يتسع بالكاد لخمسمائة سرير فقط، لمعالجة المصابين بالإدمان في الرياض، تلك المدينة التي تحتضن أكثر من ستة ملايين نسمة! فإذا كانت النسب التي تعلنها منظمة الصحة العالمية، من أن 20 % من أي مجتمع هم ممن يعانون من أمراض نفسية وعقلية، فإن الرقم في الرياض يتجاوز نصف مليون نسمة، أي أكثر من عشرين ضعفاً مما يمكن أن يوفره مستشفى صغير كمستشفى الأمل الذي لا يغطي احتياجات قرية، فكيف بعاصمة ضخمة كالرياض؟!
فالحادثة لم تهزّ حي السويدي وحده، ولا الرياض أيضاً، بل هزّت البلاد بكاملها، وتناقلتها القنوات العربية، وقد أسهم في هذا القلق والحزن تسجيل جريمة القتل بالفيديو، وبثها في اليوتيوب، وأيضاً كونها حدثت في الشارع العام، وفي وضح النهار، وأمام الملأ والعابرين، دون أن يملك أحد من المارة أن يوقف هذه الجريمة البدائية بالسلاح الأبيض، لرجل مدمن ومريض نفسي، ذهب بسببها عامل بقالة هندي، لم يمضِ على عمله سوى شهر، وترك خلفه طفلَيْن يتيمَيْن!
مَن السبب في هذه الجريمة؟ خاصة أن معظم شهود العيان، وسكان الحي، أكدوا أنهم أبلغوا الشرطة مراراً، كما أكد مصدر في مجمع الأمل أن القاتل لديه ملف في المجمع، وأنه لعدم توافر سرير وإقامة لعلاج هذا المدمن تم الاكتفاء بمراجعته للعيادات فقط، وهذا أمر طبيعي لمجمع سعته في حدود خمسمائة سرير فقط، بل الأكثر غرابة أن جميع الأسرّة في مجمعات الصحة النفسية في المملكة نحو 3550 سريراً فقط لشعب يفوق العشرين مليون نسمة.
وعلينا أن ندرك أن هناك الكثير من المرضى المدمنين الذين لا يجدون العناية اللازمة، ويتجولون في الشوارع والطرقات، وهم مجرمون محتملون، قد يرتكب أحدهم جريمة بشعة في أي لحظة؛ لأن مكانهم الطبيعي هو المستشفيات الصحية، سواء من كان مدمناً، أو مريضاً نفسياً يشكّل خطراً على عائلته ومحيطه، فما العمل؟
لا بد أن تدرك وزارة الصحة أنها في مأزق فعلاً، ليس على مستوى توفير علاج الصحة العامة، ولا على مستوى توفير الأسرّة في الأجنحة، ولا في أقسام العناية المركزة فقط، بل حتى على مستوى الصحة النفسية.
ولا بد أن تدرك أقسام الشرطة أيضاً أن هناك أكثر من «أبو ملعقة»، وأكثر من مجرم يتجول في الشوارع في حالة تعاطي مخدر حشيش أو غيره، بل هناك من يقود سيارته وهو تحت مثل هذه الحالة؛ فالأمر يحتاج إلى إخلاص في العمل، وشعور حقيقي بالمسؤولية؛ فحماية الإنسان في مختلف الظروف هي أولى مهام الأجهزة الأمنية، وتوفير الدواء والسرير هو الهدف الأهم لوزارة الصحة.