في ثمانينيات القرن العشرين، كان المحاربون القدامى يتولّون 60 في المئة من المناصب الإداريّة في الشركات الكبرى المدرجة في البورصة في الولايات المتحدة. وبحلول العام 2006، باتت نسبة 6.2 فقط من هذه الشركات تضمّ رؤساء تنفيذيين من ذوي الخبرة العسكرية.
ولعلّ هذه الأرقام، المستخرجة من بحث من إعداد إفرايم بينميليخ وكارولا فرايدمان لمصلحة «المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية» لا يشكّل مفاجئة بالضرورة. وقد شرح لي الثنائي عبر البريد أن «تراجع الرؤساء التنفيذيين العسكريين يعكس التوجهات الأوسع نطاقاً لدى الشعب الأميركي». وبالتالي، يصحّ الكلام عن كون العديد العسكري في الولايات المتحدة شهد تراجعاً كبيراً عن الاثني عشر مليون جنديّا في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وباللجوء إلى استطلاعات «فوربس 800» و»إيكزيكوكومب» التي ترصد الرؤساء التنفيذيين للشركات، وبمساعدة بحوث إضافيّة عن الخدمة العسكرية والعمر والتعليم، نجح بينميليتش وفرايدمان في مقارنة شركات يديرها محاربون قدامى بأخرى يديرها مسؤولون تنفيذيون يفتقرون إلى أي خبرة عسكرية. ومن ثم طرحا سؤالاً: «هل انعكس اختفاء المسؤولين التنفيذيين الذين خدموا في الجيش من الإدارة العليا فعلياً على الشركات الأميركية؟»إنّ الجواب عن هذا السؤال هو نعم.
وأخبرني المؤلفان بأن «الرؤساء العسكريين تحمّلوا الضغوط بصورة أفضل، وهو أمر هام بنظر الشركات التي تختبر التوتر، أو تلك التي تعمل في قطاعات متعثرة. ويبدو أن ذلك نابعاً عن التدريب العسكري والخبرة في المواقف الصعبة».
فضلاً عن ذلك، «يعكس الرؤساء التنفيذيون العسكريون أيضاً تحفظاً أكبر على صعيد الإقدام على استثمارات، ويقل احتمال تورّطهم في مسائل احتيال مالي». كما أن الباحثَين كشفا أنه في حين أن بعضاً من الرؤساء التنفيذيين العسكريين حملوا شهادات ماجستير في إدارة الأعمال، لم يكن الأمر على علاقة تقريباً بمَيل بعض المسؤولين التنفيذيين إلى تجنّب الاحتيال والتصرّف بصورة متحفّظة حيال الاستثمارات.
ولتوضيح الأمور، نشير إلى أن الرؤساء التنفيذيين الذين ليسوا من المحاربين القدامى لا يتصرفون جميعاً بطريقة مختلفة عن نظرائهم العسكريين. ولكن بالنظر إلى هذه السمات التي تم رصدها مؤخراً لدى الرؤساء التنفيذيين العسكريين، وإلى التراجع الملحوظ لأعدادهم منذ ثمانينيات القرن العشرين، قد يستحق العناء أن نتوقف ونفكّر في الأمور التي يفتقر إليها قادة الشركات المستقبليّون – وفي كيفية ملء هذه الثغرة. ويفيد بينميليتش وفرايدمان في هذا الصدد: من الضروري أن نحدّد بشكل أفضل مظاهر القيادة التي يتفرد بها الرؤساء التنفيذيون الذين كانوا من المحاربين القدامى، ومن ثم أن نفكّر في كيفية إدراجها في مجال تعليم إدارة الأعمال».
«وبشكل عام، قد يكون تسليط ضوء أكبر على الأخلاقيات والقيادة فكرة سديدة».