تبدلت حاجات الناس كثيراً مع تبدل واقعهم..، وأنماط مضامينه..
الناس الآن حين تكتب لها تصنفها..، فالغالبية للغلبة، والكثرة للجدل، والقلة للتأمل..، ومثلهم مفكروهم، وكتّابهم، وإعلاميوهم..!!
لأنك إن أمعنت في الغالبية وجدت غلبة الأحداث، وآثارها مؤثّرة في الغالبية، والذكي من الكتّاب، والمفكرين، والإعلاميين الراغب في الزيادة من الشهرة، والانتشار، والتكسّب بأنواعه يضرب على دفوف هذه الغلبة...!
وإن أمعنت في الكثرة، وجدتها تأخذ من طاولة الغالبية ليس الفتات فقط، وإنما ما تركوه أيضاً من صدى غلبتهم..، والمجاري لهم يطبل على غبارهم...!
وإن ذهبت إلى القلة، وتعمّقت في موجتهم، وجدتهم في هدوء يبحرون فيما نقضته الغالبية، وقضَّته الكثرة، يخرجون من البحر ما طمسته الغوغاء، وشتته الجدل، وأخفته الفوضى، وقوِّض بعد أثر، وأغْرق بعد قيام..!
كذلك الناس مثلهم ينقسمون، ومع ريح التغير يتجهون..
فمن الفاقد..؟ ومن المفقود..، وما الباقي..؟ ومن الربَّان..؟!
كثرت أحزان الناس، وتضاعف شتات أفكارهم، وتشظي وجدانهم..
على قلوبهم ران الحزن، لأن على عقولهم اتسعت الحلكة..،.. !!
وفي عيونهم كبر الغطاء فأصاب أسماعهم وشٌّ...
الناس في أصقاع من الأرض تحتاج للضحك المريح..
وللنوم المجدد لخلايا الفكر، المنشِّط بؤرَ الأحلام..
الناس تحتاج لتعقيم مخيلاتهم..، وترتيب منطقهم..، وإعادة الهدوء لمجرى التنفس بين شهيقه فيهم، وزفيره..
لذا يجتمع منهم يقظ الحسِّ..، واعي القلبِ على منافذ أي بصيص من نور..، أو إلى أي مُبحر بهم نحو ما فقدوه وإن كانوا قلة..!!
زمنٌ يتأمل فيه من لم تصبه غلبة الغالبية..، ولم تلحقه فوضى الأكثرية..!
زمنٌ البحر فيه لا يزال مدى للمبحر في هدوء يتأمل ما خلفه من أصدائهم..أولئك الغالبية والكثرة..!
ولأنه زمن الفقد المتزيِّ بفراغه...الزمنُ الذي فيه الواقع ليس خلاقاً...
فإن القلة تجتمع عند مرساة المتأملين،.. العائدين إليهم بلآلئ محارات النور، والفضيلة، والجمال، والخيرية، والبناء، والتطهير، وكل قيمة ضلت إليها الغالبية والكثرة وضللتها!!
البارحة تركت في أذني صديقة تقطن في «جاردن ستي» من مدينة قاهرة المعز جملتها: «ادعي لنا نرجع مبسوطين زي ما كنا»..!
الناس تحتاج لضحكة من القلب..!
ولعلها مسؤولية...،
لكنها ضمن مسؤولية ذوي الأقلام.. والأصوات، من كل المتكسّبين من الجعجعة، والغوغائية، والجدلية..!!
فليتهم يهدأون قليلاً، ويتفكرون طويلاً...
فالإنسان هو الأبقى.. وتلك رسالة مثلى..!