من النعم العظيمة التي وهبها الله -سبحانه وتعالى- للإنسان استخدام الطاقات العقلية الكامنة في كل مجالات الحياة، التي تعتبر ضرورة من الضرورات التي دعا وحث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، حيث تعد من أكبر الطاقات البشرية، قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [الملك: 23].
ينمو العقل ويتطور تطوراً بنَّاءً وداعماً لحياتنا باستعماله لا بإراحته، على أن يكون ذلك بصورة جادة ومستمرة وبعزيمة قوية؛ قال مصطفى السباعي -رحمه الله-: «لا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير، وبمطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة».
وتعد ممارسة التفكير من أفضل العبادات، وهي من أفضل أعمال القلب وأنفعها للمرء، حيث ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفكير ساعة خير من عبادة سنة»، ويقول الحسن البصري: «تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة».
وعلى النقيض من ذلك؛ فحين لا نمارس عمليات تفكير فإن الطاقة الذهنية تنكمش وتختزل في مساحات ضيقة، وبهذا فإن الجهل بهذه الملكة التي منحنا إياها المولى -عز وجل- يؤدي إلى إهدار إمكانات هائلة لهذا العقل، وبالتالي العمل على كمش قواه، ولا بد أن ندرك بأن كل شيء إذا ملأه المرء ضاق بما فيه إلا العقل فإنه كلما ازداد كلما اتسع وازدادت مداركه.
إنه ليس من الضروري -مع مرور الزمن- أن ينمو العقل في بيئات لا تولي تعليم التفكير أي نوع من الاهتمام، فالثمار الحقيقية للتعلم ليست المعلومات المتراكمة نتيجة دراسة فروع المعرفة، إنما العمليات الفكرية الناتجة عن دراسة هذه المعارف؛ ولهذا لا بد أن نعزز تنمية التفكير من خلال إثارة اهتمام المتعلمين بقضية التفكير وتعويدهم ممارسته من خلال المناهج التعليمية، ولقد توصل علماء النفس -نتيجة لبحوثهم المكثفة- إلى حقيقة مهمة وهي أن عمق تفكير المتعلم -في أثناء التعلم- يؤدي إلى تعلم فعال، ويشير عالم التفكير بيري ماير إلى أهمية إعمال العقل بالتفكير بقوله: «إذا فكرت أفضل، تتعلم أفضل، وإذا تعلمت أفضل ازددت ذكاء»؛ فالاقتصار على القراءة والاستماع والكتابة دون إثارة للتفكير والتأمل في ذلك من الدواعي التي تكشف عن عدم اهتمام كافٍ بمسألة التفكير، وذكر كريستوفر فرمورلي: «إن التفكير أصعب الأعمال وهذا هو السبب في أن القليلين هم الذين يختارونه كعمل».
ولقد أصبح من اللازم تعليم التفكير في هذا العصر؛ فالتقدم العلمي والتكنولوجي لدينا أسرع من التقدم العقلي بما لا يقاس، ولهذا أولى العديد من الباحثين اهتماماً كبيراً بالتفكير وباستخدام الطاقات الذهنية في تعليل ونقد الأحداث والربط بينها وتوظيفها التوظيف الصحيح؛ لنعيد لأمتنا الإسلامية نهضتها العلمية ونصبح منتجين للأفكار، بدلاً من تقليد الآخرين.
إن التفكير الجاد لا ينحصر في علاج المشكلات واتخاذ القرارات فقط بل يقود إلى النجاح في الحياة وتحقيق ما يطمح إليه الإنسان، فشحذ العقل بالتفكير النشط دافع قوي لاستنفار جميع الطاقات الكامنة للنهوض والتقدم، وبالتالي السعي نحو بلوغ الأهداف.
إن من أهم العوامل المعززة لتنمية التفكير الإيجابي المنتج الفعال إثارة التساؤلات حول أي موضوع، ليجعلها ذات معان، وبالتالي يسهل توظيفها في الواقع ومن ثم انتقال أثر التعلم؛ وبهذا فإن فتح الأذهان لوجود تساؤلات عديدة لشيء من الأشياء من شأنه أن ينمي عقولنا، فمعارفنا كلها ناتجة عن الأسئلة، وهي الوسيلة العقلية الأهم لدينا.