يبقى القيد وإن أُسبغت عليه عباءة الحماية والوقاية أمر تكرهه النفس.. وتفر منه.. وإن كانت لا تملك من معاني الحرية إلا النزر اليسير.. فمنع الحرية أغلال تحتاج زمناً طويلاً لإقفالها حول معاصم البشرية بعد جهد جهيد لنحت الأذرع كي تناسب مقاس عاطفتهم.. لكنها وإن بدت ثقيلة وأصيلة وذات تاريخ وموروث.. فهي هشة أمام صيحة ثائر دفع نفسه قرباناً كي تعرف البشرية أن الحرية كالتنفس تماماً.. دونها لا قيمة لأي شيء.. ولن يستطيع الإنسان أن يقدم شيئاً عدا أن يغير القيد ملامحه الإنسانية.. إما ثائراً منتقماً لا يمكن تركيعه.. أو شخصاً وجد في الإجبار ذريعة ليأخذ ما تطوله يداه بغض النظر عن الحق والأخلاق.. أو جثة تتحرك لن تعرف سبباً كي تعيش.. تأكل وتشرب.. تتناسل.. تصحو وتغفو.. أعظم وأهم أوقاتهم ضائعة بين ميلاد وموت لا يعرفون لها ذكرى تبعث في أنفسهم شيئاً من نشوة.. يمرون بالحياة مرور الجبناء.. تعرف في وجوههم سحابة الذل والخنوع.. فهموا أو أفهموا أن سبب العيش من أجل آخرٍ لم يصافحوه حتى.. ولو لمرة واحدة.. يعرفونه من كتب التأريخ.. أو صحف مطبلة.. أو كتب سطرتها أقلام مرتزقة.. نالت حصتها من كيل المديح وتزييف الحقائق!
فلماذا تعيش يا هذا؟ وهل ما عشت له يستحق العناء! وهل اخترته بنفسك أم وجدته مع الأغلبية التابعة.. ودخلت طوعاً أو قسراً في الحشود ورددت الهتاف الملقن لك دون أن تعرف معناه.. وهل كان يستحق صوتك حقاً!
أخبر نفسك عن اختياراتك الأعمق..والتي تعرف يقيناً أنها لا تمثلك.. كيف اخترتها؟ بميل من مشاعرك.. أم أنها ضغوط من دخلاء على منطقتك.. منحتهم حق الوصاية على حياتك دونما مبرر.. وهدرت حريتك على مذبح أفكارهم.. وقدمت لهم الولاء على كف الخضوع.. فهل مبررك هو الخوف؟ وإن كان كذلك.. مما تخاف تحديداً؟ وهل يشكل خطراً حقيقياً على حياتك وحريتك.. أم أن الخيال كالعادة لعب لعبته!
معظم الخيارات لها أوان.. لا يقبل التأخير حتى تفقد شهية التحقق.. لأن واقع الحال لم يعد مناسباً.. أو تموت الرغبة لموت باعثها ووهنه.. فهل تعرف أي أمر يمكنك أن تتركه في مرحلة الانتظار مع بقاء نية الحصول عليه.. من الأمر الذي إن لم تقطفه حالاً فإنه سيكون ليدٍ شجاعة لم تردها تحذيرات الآخرين.. أو تردعها توجسات الخائفين.. تعرف أن الفرص إنما تنتزع من الحظ نزعاً لا تهاب العيون المتطفلة.. ولا الوجوه المستنكرة.. ولا تسمع عويل المواقع المرجفة.. تعرف فقط أن الحرية حياة لا شيء بعدها إلا الموت.. وأن الاختيار شرف لا يتنازل عنه إلا ضعيف أو خواف. فحافظ على دينك وأخلاقك وشرفك دون أن تتخلى عن حريتك.