كتبتُ عن الوطن المرة تلو الأخرى من أجل التأكيد على حبه لدى المواطنين، فحب الأوطان من علامات النبل والشهامة عند الرجال فضلاً عن كون حبه من الإيمان، وإذا كان ولاة أمرنا - حفظهم الله تعالى - يوصوننا على تكريس حب الوطن فهم محقون، لأن حب المواطن لوطنه بات اليوم كما كان بالأمس وبالغد هو من مسلّمات أي تقدم ونمو.. ونحن في هذا الوطن المبارك نملك قاعدة صلبة متينة راسخة في حب الوطن، وليس هذا بغريب على أبنائه الذين شبّوا على حبه وقبل ذلك رضعوا حبه مع حليب أمهاتهم.. فالذود عنه بكل ما يملكون من غالٍ ونفيس هي سجاياهم وكيف لا يُحب الوطن،! ونحن تنسمنا عليل هوائه، وأكلنا من خبزه، وشربنا من مائه العذب، وتفيأنا ظلال أشجاره، فلم يبقَ سوى شكر المنعم الذي حبانا هذا الوطن الذي هذه هي خيراته وهذا هو أمنه. واقرؤوا معي ذلك البيت من الشعر الذي نظم حروفه ذلك الأعرابي الذي راح يتغنى بحب وطنه وراح يهيم به صبابةً ووجداً حيث قال:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام
ومع ذلك كله فإنه مع الأسف الشديد يوجد هناك أشخاصٌ لم يرعوا حرمة هذا الوطن وقداسة أرضه!!
وأقول لهؤلاء ألا ترون ما حل بجيراننا من المشاكل والكرب الشديد وفقدان الأحبة وزوال النعمة وعقوق الأيام!! كل هذا بسبب أنهم لم يقدموا شكر تلك النعم التي حباهم الله إياها.. فالله جلت قدرته لا يعرف إلا من أطاعه وشكر نعمه.. وكم هي الدول التي كانت قبلنا تعيش رغداً وتتفيأ الأمن الوارف، فأعرضوا عن شكر المنعم فحل بهم ما حل والله تعالى يقول في محكمه آياته: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّيتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْازِى إِلاَّ الْكَفُورَ}.. وقد قال الله تعالى في وحيه الطاهر: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.. هذه هي عاقبة وجزاء من تنكب صراط الله، إن كفران النعم معضلة كأداء في مفهوم الدين كانت العرب قديماً تقول: (قيدوا أقصى النعم بشكر أدناها) فمن أراد أن يصطاد النعمة البعيدة فعليه بشكر النعمة القريبة.
إذاً، حب الوطن واجبٌ على كل كريم يقول أفلاطون: (ولد الإنسان لوطنه لا لنفسه). إن من أول فضائل المرء حب المرء لوطنه لأن الأوطان باقية والإنسان ذاهب.. ما باح به قلمي ليس إنشاء سطرته بل هي سنن الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً.