لا يبدو أن ثمة نهاية قريبة للحرب الأهلية السورية، التي تورطت فيها إيران ومعها حليفها حزب الله حتى العظم. دخول إيران وحزب الله إلى الحرب لم يكن قراراً حصيفاً، ولا يدل على أن الإيرانيين عندما اتخذوه كانوا يتوقعون أبعاده، وأن الحرب ستطول وتستنزف الموارد الإيرانية، وهي تعاني من الحصار الاقتصادي.
وفي تقديري أن هذه الحرب إذا ما استمرت على هذا المنوال، لا منتصر فيها ولا مهزوم، فإنها ستجر معها إيران إلى الرمال المتحركة، لتجد نفسها في وضع لا يمكن فيه أن تتراجع، وفي الوقت ذاته لا يمكن فيه أن تنسحب، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في الداخل الإيراني فإن تبرير هذا الصرف الذي يبدو أنه سيطول، لا يمكن أن يقتنع به المواطن الإيراني غير المؤدلج. وحسب تقارير المراقبين المعنيين بالشأن الإيراني، فإن حجم الكتلة الداعمة للملالي من المجتمع الإيراني تتناقص وتنحدر أعدادها بعد أن رأوا مواردهم يتم هدرها في حرب لن ينتصر فيها إلا الدمار والخراب والدماء والضغائن الطائفية.
حسن نصر الله، العميل اللبناني الأول للملالي الإيرانيين في لبنان، مازال يصر، ويُدافع عن قراره، أو قرار ملالي إيران بدخول الحرب الأهلية السورية لمساندة الأسد؛ بل ويؤكد أن الخطأ الشنيع الذي ارتكبه حزب الله أنه تأخر في دخول الحرب ولم يدخلها مبكراً. ولا أعتقد أن لبنانيا، حتى من الشيعة اللبنانيين غير الموالين للحزب، سيقتنع بهذا الكلام. لبنان هي أعلى دولة تستضيف لاجئين سوريين، إضافة إلى أنها تستضيف -أيضاً - منذ عقود على أراضيها لاجئين فلسطينيين. وبقاء هذه الأعداد من السوريين سيمتد كما هو متوقع إلى مدة طويلة. والسوريون اللاجئون إلى لبنان أغلبهم من الطائفة السنية، وعندما يُقاتل حزب الله في سوريا منطلقاً من بواعث محض طائفية، فإنه سيثير حفيظة اللاجئين السوريين، ويضطرهم إلى الانتقام منه في عقر داره، ليجد نفسه، وإيران من ورائه، يُقاتل على جبهتين، الأولى في سوريا، والثانية في لبنان، وهذا ما يخشاه العقلاء اللبنانيون؛ وليس لدي أدنى شك أن اللاجئين السوريين ومعهم اللاجئون الفلسطينيون، والذين يشكلون كتلة كبيرة الآن في لبنان، لن يتركوا حزب الله وبقية الميليشيات الشيعية في سوريا تقتل وتنفذ عملياتها الدموية البشعة دون أن يكون هناك ردة فعل في الداخل اللبناني تجاه معاقل حزب الله؛ وقد بدأت هذه الإرهاصات بالفعل، وهي مرشحة لأن تتزايد أكثر، فالمعادلة تقول كلما تمادى حزب الله وجيش الأسد في القتل والتدمير والوحشية كلما زاد في المقابل احتمالية أن تنفجر الأوضاع الأمنية في لبنان، وخاصة في المناطق الشيعية التي تدين بالولاء لحزب الله.
ورغم أن كثيراً من العرب، خصوصاً القوميين منهم، يعتقدون أن إيران تدير قراراتها في الخارج بحكمة وروية وموضوعية، إلا أن إقحام الشيعة العرب، سواء ميليشيات حزب الله، أو الميليشيات التابعة للعراق، في الحرب الأهلية السورية، يتضح يوماً بعد يوم أنه كان قراراً خاطئاً، ومندفعاً، وغير محسوب بدقة؛ فلم يفكر الإيرانيون - على ما يبدو - في تبعاته واحتمالات طول الحرب، واستنزافه لاقتصاد منهك بسبب الحصار. وليس لدي أدنى شك أن الملالي في إيران سيعضون أصابع الندم قريباً، وقريباً جداً، حينما اعتقدوا أن مساندة النظام السوري لا يختلف عن مساندتهم للحوثيين في اليمن.
إلى اللقاء