انتشرت هذه الأيام أخبار فيروس جديد يسمى «سارس» مختصر «فيروس كورونا لمتلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط»، وحسب موسوعة ويكيبيديا، فالفيروس ينتمي لفصيلة من الفيروسات تدعى «كورونا»، وهي عائلة فيروسية تؤثر على الحيوان والإنسان معاً تم اكتشافها في عام 1960م. وفيروس «سارس»، نسخة شرق أوسطية
مختصة بالشرق الأوسط حيواناً وبشراً، ومنتشر حالياً في دول كثيرة من منطقة الشرق الأوسط: منها المملكة، والإمارات ، وقطر، والأردن، وعمان، ومصر، وغيرها، أما سوريا فمعرفة مدى انتشار الفيروس هناك مستحيلة لأن الناس يموتون حتما بفيروس بشار الأسد قبل أن يصيبهم الكورونا. ولهذا الفيروس من اسمه نصيب، فقد عرف أقرب الطرق للتكيف مع بيئة هذه المنطقة العجيبة.
وبدون خوض في تفاصيل مملة في علوم الفيروسات، لأن لها مختصيها، علماً أنه بقدوم هذا القاتل المتلون أصبح الشغل الشاغل للجميع من قبيل الاستطلاع والتحوط. فالفيروسات كائنات دقيقة جدا، حجمها أقل مئة مرة من حجم البكتريا المتناهية الصغر، ولذا لا ترى إلا بمجاهر إلكترونية ماسحة. وهي عبارة عن بروتينات شاذة عن تكوين الخلية السوية وتكتسب الحياة من الخلايا التي تخترقها، بحيث تعيد تشكيل الحمض الوراثي الخاص بالخلية إلى سلسلة بروتين فيروسي تتكاثر معه وتغزو بقية الخلايا. وقوة الفيروسات تكمن في قدرتها على التطور، والطفر السريع في طفرات جينية سريعة وكبيرة تصعب من علاجها، وتتمرد على تكوين الجسم لأجسام مضادة لها، وتقلص من فعالية الأمصال التي تعد لها، ولذا فالفيروسات فتاكة رغم ضعفها بسبب سرعة تكاثرها. وفيروس كروونا سمي بذلك لأنه، حسب من اكتشفه من فصيلة خاصة عندما ينظر لها مجهرياً تبدو وكأنها تلبس تيجانا، وكورونا مشتقة من كلمة كراون أي تاج، أي أنه بمعايير نظرتنا اليوم لبعض الحيوانات، إبل، وتيوس، وديوك يمكن اعتباره من مزايين الفيروسات.
وتحتاج الفيروسات عادة إلى طبع مورثاتها على مورثات الخلية المستضيفة فتطبعها بطبعها فيما يسمى عملية طباعة Transcription لتنتج الخلية حمض ريبي أر إن إي خاص بالفيروس. أي أن الفيروس ينسخ حمضه النووي على الحمض الوراثي للخلية ويكون ذلك بمثابة الاستئذان لدخول الخلية، ولكن إذا ما كان للفرد جهاز مناعي صاحي يمكن الفيروس من الدخول. لكن فيروس السارس أي كورونا الشرق الأوسطي، لا يمر بهذه المرحلة فهو يمكن أن يدخل للخلية دون استئذان بأسلوب شرق أوسطي، فهو يتقمص مرسل الحمض النووي الخاص بها ويدخلها مباشرة دون مرور بمرحلة الطباعة ويبدأ في تحوير الخلية. والدخول دون إذن والصلاحيات الكاملة ميزة شرق أوسطية بامتياز. وعلى ما يبدو فحيثما تكونوا تكون فيروساتكم.
والفيروس أيضاً ينتقل بسرعة كبيرة ويستمر في خنق نفس المريض، وتكسير خلايا دمه حتى يقضى عليه، ولذا فيمكن اعتبار هذا الفيروس من قوات صاعقة الفيروسات التي تنزلها بعض الدول على مواطنيها العزّل ليتدربوا على نسخ حمضهم الدنيوي وتحويله لحمض نووي أخروي. وبما أن الشرق الأوسط بلاد عرف عنها المرونة في الصلاحيات، والاختصاصات والتخصصات، فلا غرابة أن يتفرع عن كورونا البيولوجي، كورونات أخرى، اجتماعية، وعلمية، وإعلامية ونفسية.
فمن اكتشف هذا الفيروس، على الأرجح في المملكة، عالم فيروسات مصري اسمه محمد علي زكريا في عام 2012م في مختبر خاص في جدة، ومعروف عن إخواننا المصريين أنهم متى توفر عندهم حس المسئولية، فإنهم لا يساومون عليها، فقد ثابر هذا الرجل على عزل الفيروس وحصره حتى عرف نسبه كاملاً، وسجله في مصلحة إحصاءات الفيروسات العالمية. وفور معرفة بعض المحيطين به بأهمية اكتشافه تم إلغاء عقده، حسب قوله ولا أدري مدى صحة ذلك، أي جوزي جزاء سنمار بافتراض صحة ادعاءاته عندما قذف به الوالي من فوق قصره الجميل حتى لا يبني لأحد قصرا مشابهة لقصره. وهذه يمكن تسميتها بحوبة كورونا الأكاديمية، بالرغم من أن العاملين في المجال الأكاديمي يعرفون أن جزاء سنمار هو الجزاء المعتاد لمن يكتب بحثاً مهماً أو كتاباً مختصاً باسم غيره من رؤسائه ممن يمسك بتلابيب عقده. فالمسئول عديم المناعة الأكاديمية يتصرف في هذا الحال كالفيروس و لا يتوقف حتى يخفي أي أثر وراثي لمن كتب له البحث فيحول الخلية البحثية لخليه تتعلق به لوحده وهذا ما أصاب بعض أوساطنا البحثية بأمراض مزمنة حتى يبست وتساقطت أوراقها اليانعة، وأدى لوفاة الكثير منها. و بعض باحثينا لا يختلفون كثيراً عن السحرة بالنسبة لنا لأنهم لا يعتقدون أنهم ملزمين بتوضيح أي شيء لنا وكل ما علينا هو أن نصدقهم في كل ما يقولون حتى ولو تغير ذلك بعد حين.
سارس «التاجي» الذكي أراد أن يلقن سكان منطقة الشرق الأوسط وبعض مسئولي اتخاذ القرار فيها درساً في التخطيط الإستراتيجي، والجدوى المستدامة، فاختار لتنفيذ برنامجه موقعاً لا يمكن أن يتخلى أصحابه عنه حتى ولو مات نصفهم، ألا وهو الجمل، فهي تضمن له الانتقال السلس والسريع لكل من يقبل أنفه، وتقبيل أنوف المزايين هو موضة العرب هذه الأيام. وبينما هو يواصل الزحف والاستيطان فيها يزداد أهلها غزلاً وهياماً بها، و البعض يعشق البعير المزيون حتى ولو تحول لفيروس ضخم أمامه، وهذا ما رفع أسعار هذه الحيوانات لقيم أعلى من قيم الإنسان، فهل يلام «سارس» لو اختارها موطن له؟ وكما يقال فيروس الحبيب مثل أكل الزبيب.
واستنسخ سارس بعض عاداتنا ومشاكلنا مثلما استنسخنا بروتينه، فهو يغرد بلغته الفيروسية قائلاً: أنام ملء جفوني في خلاياها وتسهر الناس جراها وتختصم. فبينما يحث علماء العالم قاطبة على تجنب الإبل، ويحذرون من الاقتراب منها لأن نسبة كبيرة منها مسكونة بالكورونا، يرد عليهم آخرون بعبوات في الأسواق، والعطارات والصيدليات الشعبية تؤكد أن في بول الأباعر علاجا لكل مرض مزمن أو عابر، ويهيبون بالناس هجر الشامبو وصابون اللكس والاستحمام ببول البعير الذي يكاد البعض ينزله منزلة مقدسة. ورب ضارة نافعة ولعل في الأمر حكمة، فقد يقتنع المتحمسون في النهاية بأن بول البعير بول كبول كل أكلات الشعير وينكفون عن الاستحمام بسوائله، وإلا عليك فقط أن تتصور لا سمح الله رائحة الأسواق والدوائر الحكومية فيما لو انتشر مثل هذا العلاج. وعلى رأي المثل، اللي ما يرضى بالثوم والحلبة يرضى بما هو أشد منها.
وتعدت إصابات المرض المواطنين لتفتك بمن يشرفون على علاجهم أطباء وممرضين وبعضهم انتقل لرحمة الله وما زال بعض المسئولين يكرر: لا تخافون ما عليكم إلا العافية. ووزارة صحتنا الموقرة تنفي وفاة منسوبيها بتصريح ليتبعه تصريح آخر يذكر أنها تفكر في اعتبار ضحايا الفيروس من منسوبيها من شهداء الواجب!! ولا يمر يوم إلا وتقرأ إعلانات عن عشرات الندوات الطبية، بل وندوات عن مواضيع مثل تجميل الأنوف، وتكبير الشفاه والأرداف، وتقشير البشرة، وتخفيف الوزن ولكننا منذ داخلنا هذا الزائر الخطير الذي خطف معه 90 روحاً بريئة، لم نسمع عن مؤتمر، أو ندوة أو حتى مؤتمر صحفي عنه، هذا في الوقت الذي تعد الأوساط الطبية العالمية، والصحافة الدولية هذا الفيروس الخطير شغلاً شاغلاً لها لأنها تخشي من انتقاله لدولها.
وقد نتخلص في نهاية الأمر من سارس البيولوجي، ولكن الأصعب هو التخلص من فيروسات كورونا البيروقراطية، والمركزية، والإعلامية، والأخلاقية. فلا زالت وزارة الزراعة تعد صحة البعير شأن وزارة الصحة، ووزارة الصحة تعده شأن إنتاج حيواني للزراعة، وقد نجح الفيروس الذكي في استغلال ثغرة تنازع الصلاحيات هذه. ومما يؤسف له تعاملنا مع أمر خطير بهذا الحجم بهكذا ارتباك، وفوضى، وتعتيم!! فالمواطنون لهم الحق كل الحق في معرفة الحقيقة كاملة، بكلكلها وسنامها، وحتى بولها لأن الأمر يتعلق بصحتهم وصحة أبنائهم، والله ندعو أن يكون هذا الفيروس تنبيها، ولا يتحول لعقوبة من رب العالمين لأمور يعرفها الجميع.