شهد مفهوم العلاقات العامة تطوراً لافتاً في السنوات القليلة الماضية.. وحظي بتقدير واهتمام بالغ في النظم الإدارية الحديثة لدى كثير من المنظمات الدولية باعتبار أن الإدارة القائمة عليه هي أحد أهم الإدارات الحيوية الداعمة للقرارات الإدارية وقياس الرأي العام، إلى جانب كونها تشكل حلقة اتصال وتواصل وأداة تفاعل نشطة داخل وخارج أي منشأة أو مؤسسة سواء كانت حكومية أو أهلية.
نشأ مفهوم العلاقات العامة بعد الثورة الصناعية في أوروبا وبروز الشركات والمصانع والمؤسسات الكبرى التي أصبحت تُعنى بتوثيق الصلة بجمهورها وعملائها.. ومع تعقيد أمور الحياة وتعدد الأنشطة التي تقوم بها الحكومات والمؤسسات التابعة لها أصبحت الحاجة ملحة إلى التواصل مع المجتمع فكانت العلاقات العامة هي السبيل إلى ذلك.
عندما نتحدث عن العلاقات العامة وتزايد اهتمام حكومات الدول المتقدمة بهذا المجال فلا بد من التنويه بأن هذه الدول أعطت لهذا النوع من الاختصاص حقه لما يلعبه من دور إستراتيجي في فن الإدارة من حيث تنظيم العلاقات، خاصة تلك العلاقات المتشابكة وتحقيق حالة من التفاهم المتبادل بين المؤسسات وأفراد المجتمع يضاف إلى ذلك أنها فنٌ رفيعٌ من فنون الاتصال والتواصل الإنساني، حيث إن عملية التأثير في الناس وكسب الأصدقاء تتطلب فهماً أساسياً باتجاهاتهم وآرائهم.. ولكي تبني أي مؤسسة رأياً عاماً وأكثر فاعلية فلا بد أن تأخذ في الحسبان معرفة آراء الجمهور على اختلافها سواء تطابقت أو تشابهت أو حتى اختلفت ورغم أن مفهوم العلاقات العامة أضحى صناعة القرن ومحرك الشعوب في الدول المتقدمة وعاملاً حيوياً وفعالاً في نجاح أي مشروع سياسي أو اقتصادي.. اجتماعي أو ثقافي تعتمد عليه تلك الدول إلا أن دوره في منطقتنا العربية ما زال في مراحل أولية ويشوب مفهومه ضبابية لدى كثير من المؤسسات الحكومية أو الخاصة مما عكس انطباعاً ونظرة نمطية عند الجمهور حول دور العلاقات العامة.. نظرة نمطية قائمة على أن المفهوم السائد لواقع عمل إدارات العلاقات العامة في أي مؤسسة أو أي دائرة حكومية لا يعدو أن يكون جانباً رسمياً أو برتوكولياً أو بعض المهام التنفيذية البسيطة كتنظيم احتفالات أو مناسبات.. أو متابعة ما تكتبه الصحف والتعليق عليه أو توجيه لأمور وأنشطة ثانوية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمهمة الأساسية المتمثلة في تضييق الفجوة بين الأفراد والجماعات وتحقيق الاندماج لخلق حالة من الفهم لتوحيد الاتجاهات.. إلى جانب زرع الثقة بين المؤسسات المختلفة وأفراد المجتمع من خلال مدِّ جسور التواصل.. والتفاعل الإيجابي مع الأحداث ومسايرة اهتمامات الناس ورغباتهم بما لا يتعارض مع الأنظمة والقوانين السائدة التي تنظم الحياة العامة وهذا كله يضاف إلى ما يُعهد لإدارات العلاقات العامة من مهام ومسئوليات هي بالمفهوم السائد تتعلق بالعلاقات الخارجية كتنظيم وإعداد للندوات والمؤتمرات الداخلية والخارجية وجميع الأنشطة المشتركة بين الوزارات والمؤسسات.
إذن يمكن القول.. إن مشكلة العلاقات العامة تكمن بشكل أساسي في عدم قدرتها على تقديم ذاتها إلى المجتمع بصورة مناسبة وإيجابية تكسب من خلالها ثقة الناس بها، وهذا الدور يقع على عاتق إدارات العلاقات العامة في جميع الأجهزة الحكومية والأهلية.. العلاقات العامة فنٌ رفيع وأداة مؤثرة لخلق علاقات عصرية حضارية متميزة.