مع كل قرار تنموي جديد، أصبحنا ننتظر من يُسمّون بالمحتسبين، وهؤلاء مجموعة ممن نذروا أنفسهم للوقوف ضد كل ما هو جديد، بغض النظر عن حكمه الشرعي، في كثير من الأحيان، وعندما أرى صور هؤلاء الأحبة المحتجين، أتذكر ما يرويه لي أحد كبار السن عن سلف هؤلاء، فعند افتتاح مدارس البنات في الثمانينيات الهجرية، وفدت مجموعة من إحدى مدن نجد إلى الرياض للإحتجاج على هذا القرار، وكان معهم رجل «طيب»، وعندما توقفوا في منتصف الطريق لتناول الغداء، صرخ ذلك الرجل الطيب قائلاً: «أقسم بالله أن لا نرجع حتى يتحقق طلبنا بفتح مدرسة بنات!!»، فقال له كبير المجموعة المحتجة: «إننا لم نذهب لنطالب بفتح مدرسة بنات، بل لإغلاقها»، فما كان من ذلك الرجل الطيب إلا أن قال: «أقسم بالله أن لا تفتح مدرسة بنات في ديرتنا ورؤوسنا تشم الهواء!!»، والجدير بالذكر أنه تم افتتاح المدرسة، وتسابق معظم أؤلئك المحتجين لتدريس بناتهم فيها!.
لا يراودني شك بأن هناك حزبيون متأسلمون يشجعون هؤلاء المحتجين، لأسباب محض سياسية، لا علاقة لها بالدين، فالهدف هو الوقوف حجر عثرة في طريق التنمية، وبالتالي زيادة الاحتقان، والتذمر لدى المواطن، فهكذا يفكر الحزبيون دوماً، ولكن يبدو أن حماس هؤلاء المحتجين بلغ مداه، فقبل أسبوعين، احتسبوا على هيئة كبار العلماء!!، نعم لست أمزح هنا، لقد احتسبوا على علماء أجلاء كسماحة المفتي، والشيخ صالح الفوزان!!، ولا أشك لحظة بأنه لو كان سماحة الوالد عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - ما زال حياً لما تردد هؤلاء في الاحتساب عليه!!، والغريب هو أن هناك قراراً يمنع التجمهر. هذا، ولكنه يستثني هؤلاء المحتجين، كما أن لي عتباً على وسائل إعلامنا، والتي تنعت هؤلاء بالمحتسبين، وهنا تعطيهم وسائل الإعلام شرعية هم في أمس الحاجة لها، فالمحتسب حسب قواميس اللغة هو من يعترض على أمر فيه محظور شرعي، وهؤلاء يحتجون على قرارات تم إقرارها من قبل وطن يحكم الشريعة الإسلامية في كل شؤونه، فهل يا ترى تتنبه وسائل الإعلام لهذا؟!!.
وعلى هامش هذه الاحتجاجات التي تسمى احتساباً، لفت نظري أن معظمها كان ضد ما يُسمى بالتغريب!!، وعندما دققت النظر في الصور التي نشرت لهؤلاء المحتجين - غفر الله لي ولهم - في آخر غزوة احتسابية، لاحظت أن ملابسهم، عدا «البشوت» قد صنعت في الغرب، كما لاحظت أن سياراتهم (مرسيدس، وبي أم دبليو، ولكزس) كلها صنعت من قبل غربيين، أو بوذيين، كما لاحظت أن معظمهم كان يستخدم الموبايل، وهو كما نعلم من صنع الغرب، وفي تقديري أنه لو جاء هؤلاء المحتجون على بغال، وإبل، وهم يلبسون الإزار، والعمامة لكانت مصداقيتهم أكبر، والله أعلى، وأعلم!!.