مع إشراقة الذكرى التاسعة للبيعة الميمونة المباركة نجدد البيعة بكل والولاء والطاعة لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله.. إنها ذكرى نعتز فيها بقوة اللحمة التي تربط شعب المملكة بقائده الحكيم.. الذي يسعى على الدوام لتحقيق خير وأمن ورفاهية المواطن.
إن إنجازات سيدي الملك عبد الله -حفظه الله- إنجازات قياسية اتسمت بالشمولية والتكامل.. جاءت في إطار منظومةٍ كُبرى للتنمية الشاملة.. والتحول الحضاري في مملكتنا الحبيبة، لنشاهد في كل يوم مشاريع تتخطى مقياس الزمن، مُسجلةً معدلاتٍ قياسية للنمو الاقتصادي من خلال بنيةٍ أساسية متكاملةٍ ومشروعاتٍ كبرى في شتى المجالات، رُصد لها ميزانيات ضخمة تعكس رؤيته -حفظه الله- التي تتلمس احتياجات المواطن وتضعها في المقام الأول، على الجانب الآخر عمل أيده الله على إصدار الأنظمة واللوائح اللازمة لدفع عجلة التنمية في كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد.
لقد شهدت المملكة خلال السنوات التسع الماضية قفزات نوعية وهامة.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خطت المملكة خطوات كبيرة نحو تنويع وتطوير مصادر الدخل غير النفطية بالتوسع في الصناعات التحويلية وتطوير الإنتاج الصناعي والزراعي، ودعمت الدولة السياحة الداخلية كرافدٍ اقتصادي واعد، وطبقت العديد من الأساليب الاقتصادية الحديثة، ومن ثم احتلت المملكة مكانة اقتصادية مرموقة في المحافل الدولية، عن استحقاقٍ وجدارة، فدخلت ضمن أقوى الاقتصاديات في العالم، ولتصبح عضواً في مجموعة العشرين، وهكذا ساهم النهج الاقتصادي الذي تبناه سيدي الملك عبد الله -حفظه الله- في إعطاء الاقتصاد السعودي القوة والمتانة، وأكسبته ميزاتٍ جديدة، اتسمت بالمرونة والحداثة والتكيف مع المتغيرات، الأمر الذي مكن المملكة من تفادي الآثار السلبية، التي نجمت عن الأزمات الاقتصادية العالمية والتي عصفت باقتصاديات الكثير من الدول. وعلى صعيد خدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين، نرى اليوم العمل يجري على قدم وساق لتنفيذ أكبر توسعة عرفها التاريخ للحرمين الشريفين، علاوة على العديد من المشاريع التي تخدم ضيوف الرحمن من خارج وداخل المملكة مثل مشروع قطار الحرمين، ومشاريع تطويرية عملاقة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. وعلى صعيد التعليم فقد زاد عدد الجامعات في المملكة إلى ضعف ما كانت عليه سابقاً، وتمثل أحدث إنجازاته في هذا الشأن أمره الكريم الذي قضى بإنشاء ثلاث جامعات جديدة في محافظات (جدة وبيشة وحفر الباطن)، كما شهدت السنوات القليلة الماضية برنامجاً تعليمياً غير مسبوق، ألا وهو برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والذي تستفيد منه أعداد كبيرة من الطلاب السعوديين، ليواصلوا الدراسة في أعرق الجامعات العالمية. أما قطاع الطيران المدني فقد حظي باهتمام بالغ من قائد المسيرة المباركة.. لقناعته حفظه الله بالدور الحيوي الذي يلعبه في تحقيق النهضة التنموية الشاملة، وتأثيره في نجاح العديد من القطاعات الأخرى، وقد تمثل هذا الاهتمام في العديد من الأوامر والتوجيهات والقرارات التي كان من شأنها قيام الهيئة العامة للطيران المدني، بإعداد الخطط اللازمة لتطوير شبكة مطاراتها، وهي تمثل احتياج سوق النقل الجوي وخدماته في المملكة حتى عام 2040م، وعليه فإن جميع مطارات المملكة إما تم تطويرها، وإما تشهد في الوقت الراهن مشاريع لتطويرها.. ولم يقتصر الهدف من تلك المشاع على استيعاب الزيادة في عدد المسافرين ومواكبة الطلب المتنامي والمتوقع على الحركة الجوية، بل أيضاً رفع مستوى الخدمات على النحو المنشود، ودعم البنى الاقتصادية لمختلف مناطق المملكة، وتحويل المطارات الدولية منها إلى مطارات محورية، تستحوذ على حصتها العادلة من حجم الحركة الجوية في المنطقة، وأن تعمل وفق أسس تجارية، مع توفير عدد كبير من الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص، والذي يأتي من أهمها مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي، والذي ينطوي على ثلاث مراحل ترفع الأولى طاقته الاستيعابية إلى (30) مليون مسافر سنوياً، ومن المتوقع إنجاز تلك المرحلة بنهاية عام 2014، فيما سيتم تشغيله في منتصف العام القادم إن شاء الله، وأعمال البناء والتشييد فيه تسير وفق جدول زمني وفق ما خطط له. كما يشهد مطار الملك خالد الدولي بالرياض مشروعا ضخما لتطويره بشكل جذري، ينطوي على مرحلتين، ترفع الأولى طاقته الاستيعابية إلى (35,5) مليون مسافر سنوياً، ومن المتوقع إنجازها بنهاية عام 2017م، فيما ترفع المرحلة الثانية طاقة المطار الاستيعابية إلى (47,5) مليون مسافر. ولا يفوتني هنا أن أشير إلى قرار مجلس الوزراء رقم (43) وتاريخ 4-2-1434هـ، الذي بموجبه اعتمد المجلس الموقر «الخطة الإستراتيجية الشاملة للنهوض بصناعة الطيران المدني في المملكة»، لقد جاء هذا القرار استكمالاً للقرارات الملكية الكريمة التي صدرت في مطلع شهر ذي الحجة 1432هـ، والتي قضت بنقل مهام الطيران المدني من وزارة الدفاع إلى الهيئة العامة للطيران المدني، وارتباط جهازها برئيس مجلس الوزراء مباشرة، وتستهدف تلك القرارات رفع كفاءة قطاع الطيران المدني وما يقدمه من خدمات.. والتوسع في إشراك القطاع الخاص المحلي والعالمي في البرامج المتعلقة بإنشاء وتشغيل وإدارة المطارات وفق برامج شراكة إستراتيجية.. والمحافظة على معايير الأمن والسلامة بمقاييس عالمية.. ورفع مساهمة قطاع الطيران المدني في الاقتصاد السعودي.. وتطوير إيرادات القطاع.. ومواكبة التطورات التي تشهدها صناعة الطيران المدني إقليمياً وعالمياً، خاصة فيما يتعلق بزيادة الطلب على السفر جواً، وهذا كله يصب في مصلحة المواطن بشكل خاص والمسافرين عبر المطارات السعودية بشكل عام.
وكان من أحد نتائج القرارات سالفة الذكر مضي الهيئة العامة للطيران المدني قدماً في وضع وتنفيذ برنامج للخصخصة شملت العديد من المشاريع الكبيرة التي أسندت للقطاع الخاص، أذكر منها مشروع إنشاء وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة الدولي الجديد والذي يتم تنفيذه بأسلوب (BTO) ليصبح أول مطار في المملكة يتم تنفيذه بالكامل بهذا الأسلوب، ومن المتوقع إنجازه خلال عام 2015م وسيلبي الزيادة المتوقعة في أعداد المسافرين خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة.
أما الخطوط الجوية العربية السعودية، التي ستصل عامها السبعين بعد أقل من شهر من الآن، فهي تمضي قدماً في تطوير دورها الرائد المتمثل في تقديم خدمات النقل الجوي عبر شبكتها الواسعة التي تربط مختلف أرجاء البلاد المترامية الأطراف بعضها ببعض, ومن ثم بالعالم الخارجي. حيث حرصت على إضافة المزيد من المحطات الدولية، كان آخرها تورنتو في كندا ولوس أنجلس في الولايات المتحدة ومانشستر في المملكة المتحدة، أما على صعيد شبكتها الداخلية فقد خصصت نحو 70% من رحلاتها لخدمة القطاع الداخلي، بمنظورٍ وطني، في الوقت الذي تتواصل فيه برامج التطوير الشامل على مختلف المحاور، والتي انطوت على تحديث الأسطول وتطوير البنية التقنية ومنظومة الخدمات، من خلال أحدث البرامج التقنية في العالم، في الوقت الذي حققت فيه خلال عام 2013 معدلاتٍ قياسية جديدة في حجم الحركة بنقل أكثر من (25) مليون مسافر على متن (182) ألف رحلة، وتحقيق المركز السادس عالمياً في انضباط مواعيد الرحلات من بين (265) شركة طيران أعضاء في الآياتا وبمعدل يفوق نسبة 91%. يضاف إلى ذلك تطوير «طيران السعودية الخاص» بأسطولٍ حديث لخدمة الطلب المتزايد على الطيران الخاص على مستوى الشرق الأوسط، مع مواصلة تنفيذ مشروع الخصخصة إذ تم خصخصة شركة الخطوط السعودية للتموين وشركة الخطوط السعودية للشحن المحدودة والشركة السعودية للخدمات الأرضية وشركة السعودية لهندسة وصناعة الطيران، ومن المنتظر خصخصة باقي الوحدات الاستراتيجية في القريب إن شاء الله،كما تم تأسيس الشركة القابضة للخطوط السعودية، فيما تم تحويل أكاديمية الأمير سلطان لعلوم الطيران إلى مركز تدريب عالمي متخصص. لقد أُعطيت القوى الوطنية العاملة في قطاع الطيران أهمية كبيرة في تنمية وتطوير قدراتها، حيث وضع ذلك في مقدمة الاستثمارات، على اعتبار أن الموارد البشرية تشكل الثروة الأساسية، وتم توفير برامج التدريب داخل وخارج المملكة، فاستفاد آلاف الموظفين من تلك البرامج التدريبية والدراسية، ومن بينها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاثِ الخارجي، علاوة على الدارسة والتدريب في الأكاديمية السعودية للطيران المدني بالهيئة، وقطاع التدريب في الخطوط السعودية، الذي نال اعتراف الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الآياتا)، حيث اعتمده كمركز إقليمي للتدريب في مختلف تخصصات النقل الجوي، لقد جاء ذلك كله وفق خطة إستراتيجية ترمي لحصول كوادرهما التخصصة على التراخيص الدولية اللازمة لمزاولة المهنة، وقد أسفرت تلك الخطة عن تحقيق معدلات عالية من السعودة في كل من الهيئة والخطوط السعودية. وكنتيجة لما حققته «الخطوط السعودية» من تطويرٍ في أدائها وخدماتها وتحديثٍ لأسطولها وإعدادٍ لكوادرها المتميزة، فقد أخذت موقعها بجدارة ضمن واحدٍ من أكبر التحالفات العالمية في صناعة النقل الجوي (سكاي تيم) لتوفر لعملائها خدماتٍ شاملة عبر (1700) رحلة يومياً تغطي (1064) محطة في (178) دولة في قارات العالم.
وفي الختام أرفع لسيدي خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - أسمى آيات الامتنان والعرفان لقيادته الحكيمة لمنظومة التحول الحضاري في وطننا الغالي.. سائلين المولى جلت قدرته أن يديم علينا عز الملك عبد الله بن عبد العزيز.. وأن يحفظه لوطنه وأمته.. متمتعاً بالصحة والعافية، كما نسأله تعالى أن يحفظ سمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد، وأن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والاستقرار والرخاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.