حديث المنجزات وتحقيق الطموحات، وتوالي النجاحات هو أعذب حديث، لأنه حديث عن استقرار ونماء، ووفاء وعطاء، وامتداد المسيرة والبناء، وهذا ما يميز الأمم والشعوب، وما يحتفل به الأفراد، وهو مبعث سعادة وطمأنينة، واجتماع وألفة في الشأن المتعلق بالمجتمع، كيف لا وهو دلالة محبة وألفة، وتعاون وتراحم، ومن هنا فمناسباتنا الوطنية التي تتكرر كل عام تنحو هذا المنحى، وينظر إليها على أنها اعتراف بالنعم، وشكر للمولى المنعم، وتذكير لأبناء الوطن، ونحن في المملكة العربية السعودية بلد الأمن والأمان والاطمئنان والخير والسلام والإسلام نستذكر في مناسبة عزيزة : ما يذكر بدوام النعم واتصالها وتجددها واستمرار آثارها لتكون محطات لتنشيط الهمم لتذاكر هذه النعم ، وإبرازها وشكر الله عليها، والحفاظ على مقوماتها، والسادس والعشرون من شهر جمادى الثانية في كل عام يمر علينا مجدداً ذكرى عزيزة على قلب كل مواطن ومحب لهذا الوطن لأنه يوم بيعة إمامنا المسدد، وولي أمرنا الموفق، مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملـك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله وأمد في عمره على الطاعة والإيمان، حينما صافحته القلوب قبل الأيدي معلنة انطلاق حكمه الرشيد، امتداداً لتاريخ مجيد وحكم مبارك وعهود زاهرة زاخرة بالنعم والمنن منذ عهد الملك المؤسس الباني الموحد الملك الصالح العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه، الذي وحد هذا الثرى الطاهر والوطن العزيز على أساس متين، وقواعد ثابتة وأصول راسخة ليجتمع الشمل، وتتوحد الجزيرة، وتعيش أزهى عصور التاريخ، ويستمر ذلك في عهد أبنائه البررة الميامين، حتى هذا العهد المميز، عهد ملك الإنسانية والحكمة، حيث هيأ الله مليكنا ووفقه وسدده ليتمم هذه المسيرة، ويقود هذه المملكة الغالية بحكمته وحنكته وبمعونة ومساندة ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي ولي العهد النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز - حفظهم الله وأعز بهم دينه، ويوصلنا إلى ذرا العز والشموخ، ومواطن الريادة والعالمية وذلك كله بتوفيق الله الدائم ثم بتمسكهم وتأكيدهم على الأسس والثوابت التي قام عليها الوطن وتحكيم شرع الله والتحاكم إليه وما أعظمها من ثوابت ضمن الله بها الأمن التام والاستخلاف والتمكين مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُواإِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، وقوله سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية، وما البيعة التي هي عنوان هذا الاحتفاء وصورة العلاقة بين المليك المفدى والشعب الوفي، والرابطة الشرعية التي تنطبع على كل التصرفات والواجبات والحقوق تأكيداً لمقتضاها وقياماً بحقوقها إلا شاهد على مكانة الأسس والثوابت في نفوس ولاة أمرنا -أيدهم الله-. نعم إن ذكرى البيعة ذكرى عظيمة، لأنها تؤكد هذا النهج الإسلامي العظيم الذي يجعل رابطة الشعب بولاة أمره دينا وعبادة، وعلاقتنا بهم عهداً مع الله، أن يفي المواطنون بما يجب عليهم من السمع والطاعة والنصح والاجتماع والألفة والوحدة، والتكاتف والتعاضد والمحبة المتبادلة والدعوات الصادقة، والتضحية فداء لحفظ الدين والوطن. ويبادلهم المليك المفدى ذلك وفاء بوفاء، وحباً بحب، يتحمل المسؤولية كاملة ويجسد فيها كل الخلال والخصال الكريمة التي تنعكس على رعيته وشعبه شفقة ومحبة ويعيش معهم لحظة بلحظة، ويؤرقه ما يؤرقهم، ويهمه ما يهمهم، ويسعى في توفير كل أسباب الطمأنينة والسعادة لهم، ويصدق مع الله في ذلك ويعامل الله فتجتمع القلوب عليه وتتواطأ الألسن بالثناء عليه، ويقل شانئوه، ويكثر محبوه وما ذاك إلا قبول من الله يمنحه لمن يشاء، تعظم معاني هذه البيعة ونحن نتذكر مناسبتها التاسعة الممتدة بإذن الله وقد تجسدت حقيقة بما يعزز اللحمة الوطنية ويقويها وينميها حينما اختار مليكنا وولي أمرنا -أيده الله- أن يكون الأمير الشهم، والعضد المكين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد وتجتمع القلوب على هذا الاختيار المسدد ويبايعونه مستشعرين عظم النعم بهذا الاجتماع واستمرار الصورة المثالية كما أن معاني البيعة تذكرنا بما يجب علينا في ظل متغيرات وفتن وأحوال وظروف مرت بمن حولنا ورام دعاة السوء والفتن أن تكون مملكتنا الحبيبة طرفاً فيها فرد الله كيدهم في نحورهم، وباؤوا بالخسران والوبال، وسيظل الأمر كذلك لأن الثوابت لدى ولاة أمرنا خط أحمر لا يمكن التهاون به أو التنازل عنه وذكرى البيعة تؤكد للجميع الحفاظ على الأصول والمكتسبات وتذكير الأجيال بها سيما الشباب الذين هم هدف دعاة الفتنة، وتحرك عواطفهم وتدغدغ مشاعرهم بما يثيرهم ويرضهم ضد ولاة أمرهم وعلمائهم ووطنهم ومجتمعهم بأساليب خادعة ماكرة تجعلهم يستجيبون لتلك الدعوات وربما يشاركون ويسقطون في الفتن . ويجعلهم ينسون عظم هذه النعم وأثرها فيما نعيشه من ألفة ووحدة واجتماع وقيام على الأصول وأعظمها الأصل الذي خلقنا الله لأجله، وهو توحيد الله وعبوديته حق العبادة، وتحقيق رضاه وذلك ما أثمر الأمن التام ورغد العيش واستقرار الأحوال وطمأنينة النفوس . إنني أجدها فرصة سانحة أن أرفع إلى مقام والدنا ومليكنا المفدى وقائد مسيرتنا وحامي وحدتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي ولي العهد النائب الثاني الأمير مقرن بن عبدالعزيز التهنئة الخالصة والشكر والامتنان والوفاء، وتجديد العهد مع الله بالوفاء بهذه البيعة المباركة بيعة الخير والعطاء والعز والنماء، والاجتماع والوفاء، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ ولاة أمرنا ويديم عزهم ويمتعهم بالصحة والعافية ويكتب على أيديهم عز الإسلام والمسلمين في كل مكان . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.