في السادس والعشرين من جمادى الآخرة 1435هـ يحتفل الشعب السعودي بمناسبة ذكرى البيعة المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - في عامها التاسع، معبرين عن أصدق مشاعر الود وخالص الوفاء لقائد المسيرة، وعظيم الولاء لهذا الوطن الغالي.
وترتكز هذه المشاعر الفياضة على قواعد راسخة، تأتي في مقدمتها ما يتصف به -حفظه الله - من قيادة حكيمة لشؤون الدولة وعجلة الاقتصاد الوطني واهتمام بالغ بأمور المواطنين المختلفة. وقد نتج من ذلك إنجازات تنموية شاملة سابقت الزمن، وتجاوزت الأهداف المرسومة، وذلك منذ توليه مقاليد الحكم في 26-6-1426هـ، الموافق 1-8-2005م، حتى وقتنا الحاضر.
ومن الصعب حصر إنجازات تلك الأعوام التسعة المباركة في عجالة، ولكن سوف أتطرق إلى اليسير منها، مع ذكر بعض الإحصاءات التي هي خير شاهد على العطاء والتنمية.
اتخذ خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - مجموعة واسعة من القرارات المهمة والإجراءات الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد، وتحديث الأنظمة، بما يعزز رفع مستوى كفاءة وتنافسية الاقتصاد ودعم التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج، علاوة على العمل على توفير إطار تنظيمي وإداري متطور وبيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية لتحقيق تنوع في البيئة الاقتصادية والإنتاجية بهدف استمرار إيجاد فرص وظيفية مناسبة لأبناء وبنات هذا الوطن. ومن أبرز مؤشرات ما تحقق من تنمية اقتصادية زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع غير النفطي في الفترة من عام 2005م حتى نهاية عام 2013م بنسبة 81,4 في المئة، وتسجيل ميزان المدفوعات فائضاً بلغ 3,6 تريليون ريال، وبلوغ المصروفات الفعلية للمالية العامة نحو 5,7 تريليون ريال، وتراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 37,3 في المئة نهاية عام 2005م إلى 2,7 في المئة في نهاية عام 2013م.
كما تم اعتماد العديد من المشاريع التنموية في مجال تعزيز وتحديث البنية التحتية، شملت عدداً من المجالات مثل الطرق، والمطارات، والاتصالات، والمياه والكهرباء، والخدمات الصحية والتعليمية، إضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي يُعد استثماراً طويل الأجل في الموارد البشرية. وحافظت المملكة على معدلات تصنيف سيادية مرتفعة لملاءتها المالية من مؤسسات التقييم الدولية، كان آخرها رفع مؤسسة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني تقييم المملكة من AA- إلى AA مع نظرة مستقبلية مستقرة؛ ما يؤكد متانة اقتصادها وقوة مركزها المالي، ويجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية. وما زالت الثقة كبيرة وراسخة في أن يستمر النمو القوي والتنمية الشاملة للاقتصاد السعودي في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين.
وعلى صعيد القطاعين المالي والمصرفي ارتفعت السيولة المحلية من نحو 553,7 مليار ريـال في عام 2005م إلى نحو 1545,1 مليار ريـال في نهاية عام 2013م، أي بنمو نسبته 179,1 في المئة، أو بمتوسط زيادة مقدارها 123,9 مليار ريـال سنوياً. وسجل القطاع المصرفي أيضاً نمواً قوياً ومتواصلاً خلال تلك الفترة متجاوزاً بقوة تداعيات الأزمة المالية العالمية، قائماً بدوره في خدمة الاقتصاد الوطني وفق أحدث التقنيات الآمنة في مجال الخدمات المصرفية والمالية؛ إذ ارتفع إجمالي موجودات المصارف بمعدل تجاوز الضعف، من نحو 759 مليار ريـال في عام 2005م إلى 1893 مليار ريـال في نهاية عام 2013م. كما ارتفع عدد فروع المصارف خلال الفترة نفسها بنسبة 44,4 في المئة ليبلغ 1768 فرعاً. كما زادت أجهزة الصرف الآلي بنسبة 202,6 في المئة لتبلغ 13,9 ألف جهاز موزعة على مختلف مدن وقرى المملكة وتقدم خدمات مصرفية حديثة وآمنة. وبالنسبة لمؤسسة النقد العربي السعودي فقد ارتفع إجمالي موجوداتها من 619,4 مليار ريـال في نهاية عام 2005م إلى نحو 2738,7 مليار ريـال في نهاية عام 2013م، أي بزيادة نسبتها 342,2 في المئة.
وأولى خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - اهتماماً بالغاً بالشأن الاقتصادي؛ إذ رأس المجلس الاقتصادي الأعلى منذ إنشائه. وبتوجيه ورعاية منه - يحفظه الله - تم إصدار العديد من القرارات الهادفة إلى رفع مستوى الأداء الاقتصادي وتهيئة الظروف الملائمة لنمو مستدام. وباستعراض سريع للأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة بالجانب الاقتصادي والمالي الصادرة في الأعوام التسعة الماضية نجد كماً هائلاً، منها - على سبيل المثال - قرار تدشين مشروع أكبر مدينة اقتصادية متكاملة في الشرق الأوسط (مدينة الملك عبدالله الاقتصادية)، وغيرها من المدن الاقتصادية في مختلف أرجاء المملكة، وإنشاء مركز مالي متطور في مدينة الرياض، يضم جميع المؤسسات المالية، وإنشاء هيئة وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وإنشاء هيئة حكومية مستقلة تعنى بتنمية الصادرات السعودية غير النفطية تسمى هيئة تنمية الصادرات السعودية، والموافقة على تشكيل لجنتين إحداهما في محافظة جدة، والأخرى في مدينة الدمام للفصل في النزاعات والمخالفات المنصوص عليها في المادة العشرين من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، والسماح لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بممارسة أنشطة خدمات التأمين وخدمات النقل بأنواعه والخدمات العقارية، والموافقة على تطبيق المساواة بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تملك الأسهم وتداولها، والموافقة على تنظيم تملك مواطني دول مجلس التعاون للعقار في الدول الأعضاء لمجلس التعاون لغرض السكن والاستثمار، والموافقة على حق المرأة في الحصول على قرض سكني من صندوق التنمية العقارية متى كانت مسؤولة عن عائلتها، وإنشاء وزارة للإسكان وتخصيص مبلغ قدره 250 مليار ريال للإسكان، ورفع قيمة الحد الأعلى للقرض السكني من صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريـال إلى 500 ألف ريال، والموافقة على مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، وكذلك الموافقة على مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واعتماد نظام الإيجار التمويلي الذي يهدف إلى توفير صيغة تمويل من قبل شركات مساهمة متخصصة في الإيجار التمويلي، وإسناد مهمة الإشراف والرقابة على الإيجار التمويلي إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظام الرهن العقاري لتحقيق الضمانات اللازمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار وتحديد حقوق أطراف عقد الرهنالتزاماتهم وتحقيق المرونة للاستفادة من الأصول العقارية، وكذلك نظام التمويل العقاري الذي يهدف إلى إيجاد سوق للتمويل العقاري، تؤسس بموجبه شركات مساهمة متخصصة بالتعاون مع مطورين عقاريين، وتمكين المستفيدين من تملك العقارات بطرق ميسرة تحفظ حقوق أطراف العلاقة تحت إشراف ومراقبة مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظام مراقبة شركات التمويل، وتشكيل لجنة باسم (لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية)، من اختصاصها الفصل في المخالفات والمنازعات ودعاوى الحق العام والخاص الناشئة عن تطبيق أحكام نظام مراقبة شركات التمويل وأحكام نظام الإيجار التمويلي، والموافقة على تعديل أيام العمل الرسمية من يوم الأحد إلى يوم الخميس؛ لتكون العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت، والموافقة على نظام جرائم الإرهاب وتمويله، المنصوص عليها في نظام مكافحة غسل الأموال.
وعُرف عن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- اهتمامه بالمواطنين وتلمس احتياجاتهم من أجل تعزيز مستوى رفاهيتهم، وتوفير سبل العيش الكريم لهم؛ فقد أصدر توجيهاته الكريمة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة وتخفيف مستوى الفقر، ودعم الضمان الاجتماعي، وإقرار زيادة الرواتب وبدل غلاء المعيشة، وترسيم موظفي بند الأجور، ومعالجة مشكلة الإسكان، ودعم صناديق التنمية المتخصصة.
نسأل الله أن يعيد على أبناء المملكة هذه المناسبة الوطنية الغالية أعواماً عديدة وخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني بأتم الصحة والعافية، والمملكة تنعم بالأمن والاستقرار؛ لتتواصل مسيرة التنمية في ظل قيادتنا الحكيمة.