ارتفاع نسبة البطالة في المملكة من بين أهم الآثار السلبية لتعثر المشاريع الحكومية، الذي بات ظاهرة اتخذ مجلس الوزراء الموقر قراراً بخصوصها قبل أكثر من عام، طالب فيه جميع الجهات المعنية بوضع الحلول وإزالة العقبات أمام تنفيذها. كما أن اللجنة الدائمة في الديوان الملكي المعنية بمتابعة المشاريع تتلقى تقارير كل ستة أشهر حول المشاريع التي تنفذها مختلف الجهات الحكومية؛ وذلك للوقوف على وضع المشاريع ومتابعة وضع الحلول للمتعثر منها.
والتعثر يأخذ تصنيفات عدة، ما بين مشاريع لم يتم العمل بها، أو التي تتوقف في إحدى مراحل تنفيذها، أو المتأخر تنفيذها رغم استمرار الأعمال فيها. أما عن نسبتها فالتقديرات تشير إلى نسب تتراوح بين 13 في المئة وأكثر من 30 في المئة، فيما تقدر تكلفتها وفق دراسات عدة بما بين 500 مليار ريال وتريليون ريال. أما الآثار السلبية لتعثر المشاريع فهي عديدة، من أبرزها تأخر الخدمات على المواطنين والمقيمين، إضافة لتقليص معدلات النمو الاقتصادي وزيادة في التكاليف على الاقتصاد، سواء بالهدر المالي أو الضغط على الخدمات الذي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف على السكان ورفع تكاليف المعيشة، وأيضاً تقليص عدد الفرص الوظيفية؛ ما يرفع من معدلات البطالة بالمجتمع، والدليل على ذلك ما أُقر بالخطة التنموية الحالية من أهداف لخفضها إلى 5.5 في المئة من خلال توفير 1.223 مليون فرصة عمل، إلا أن ذلك لم يتحقق؛ كون البطالة ارتفعت من 9.6 في المئة ببداية الخطة إلى أكثر من 11 في المئة، ونحن في السنة الأخيرة منها.
فلو تم إنجاز المشاريع في وقتها المحدد أو بفترة قريبة جداً منه لتم توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة بأرقام كبيرة جداً، تفوق عدد طالبي العمل حالياً، المقدر عددهم بـ622 ألفاً حسب مسح مصلحة الإحصاءات العامة، وهم المصنفون عاطلين عن العمل، إضافة إلى استيعاب الأعداد التي تدخل سوق العمل، المقدرة بنحو 250 ألفاً إلى 300 ألف سنوياً، منهم قرابة 100 ألف يحملون مؤهلات جامعية. فمن المعروف أن متوسط ما يوفره استثمار مليار ريال من فرص عمل يقارب الألف وظيفة مباشرة بخلاف غير المباشرة، التي تصل لأضعاف الرقم المباشر لفرص العمل الموفرة.
أما عن أسباب تعثر المشاريع فقد أوضحت أبحاث عديدة علاقة الفساد بهذه الظاهرة المقلقة بالاقتصاد المحلي، التي اتضحت معالم وجود الفساد فيها من خلال ما تقوم به الجهات الرقابية كهيئة مكافحة الفساد أو ديوان المراقبة العامة من جهود وقفت على حالات فساد، وبينت أيضاً مواطن الخلل في الأنظمة التي من خلالها يتم ترسية المشاريع أو الإشراف عليها من قِبل الجهات المالكة لها؛ ما يُعد فساداً يأخذ في ظاهره وجهاً من القصور أو الإهمال، لكنه بنهاية المطاف يهيئ الظروف لبروز الفساد في ثنايا تنفيذ المشاريع وما يشوبها من تعثر كظهور الرشاوى أو ترسية المشاريع على الأقل كفاءة عند استمرار اعتماد الأقل سعراً من بين العطاءات المقدمة، بخلاف سوء التنفيذ وضعف قدرات بعض المقاولين.. إلخ من الأسباب التي أعلنت في مناسبات عديدة؛ ما يوضح أن تعثر المشاريع بمختلف أنواعه أفرز الفساد؛ ما أدى بنهاية المطاف لارتفاع نسب البطالة، وأظهر مشكلة غير حقيقية بنسبة كبيرة، وهي الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، فكون الخلل بمكان وأسباب مختلفة تؤدي لقصور في توفير فرص عمل تدير المنشآت والمرافق التي تم اعتماد إنشائها وتعثر تنفيذها، يزيد من تكدس الشباب المتعلم في طوابير الباحثين عن العمل؛ كون هذه المشاريع تعثرت؛ ما يؤدي لاتجاهات حكومية نحو زيادة الإنفاق على التعليم والتدريب، في الوقت الذي تتركز فيه المشكلة بعدم توافر فرص عمل جيدة بالقدر الكافي بالاقتصاد، فعلى الأقل يمكن تقدير عدد هذه الفرص الضائعة بسبب تعثر المشاريع بنحو 500 ألف إلى مليون فرصة عمل، كان يمكن توفيرها.
ومع هذا التعثر الكبير نسبياً بالمشاريع بات تركيز وزارة العمل على المتوافر من فرص عمل بالقطاع الخاص حالياً، وجلها وظائف متواضعة بمتطلبات التأهيل والدخل؛ ما أوجد حالة من عدم الاستقرار الوظيفي للشباب من الجنسين، بخلاف ظهور السعودة الوهمية كمشكلة إضافية بسوق العمل حالياً؛ إذ لا يمكن فصل الإشكاليات التي تظهر بجانب من الحراك الاقتصادي عن باقي المشكلات الرئيسية بالاقتصاد، ومن بينها البطالة، فعند استمرار تلك المشكلة تظهر الحلول لمشاكل أخرى ضعيفة أو باهتة، أو أقل من المتوقع، فعلاج النتائج لن يعطي مفعولاً قوياً؛ وذلك لاستمرار السبب الرئيسي المؤثر بالإشكاليات الأخرى.
تعثر المشاريع المختلط بالفساد أدى إلى تقليص معدلات النمو الاقتصادي، وساهم بنقص في عدد الوظائف المزمع توفيرها؛ ما أدى لرفع معدلات البطالة، إضافة إلى الأسباب الأخرى التي ذكرتها بمقالات سابقة في الأسابيع الماضية حول علاقة ارتفاع البطالة بضعف نشاط القطاع السكني، وكذلك الدور المحدود للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك الخطة الخمسية التنموية وما شابها من ضعف.