التغيرات العميقة التي بدأت تجتاح مجتمعنا منذ أكثر من أربعة عقود وازدادت وتيرتُها في العقد الأخير والتي كانت خليطاً من السلبيات والإيجابيات تضعنا أمام تحديات كبيرة ينبغي التصدي لها بجدية بدلاً من التستر على الجانب السلبي منها وإنكاره وخداع النفس بالإدعاء أننا مجتمع مثالي.
مجتمعنا، في حقيقة الأمر، مثل أي مجتمع آخر على هذه الأرض تختلط فيه الإيجابيات بالسلبيات، وبعض السلبيات التي تنخر في جسدِ مجتمعنا خطيرةٌ جداً، وسنندم كثيراً إذا تجاهلناها وافترضنا أنها مجرد مشكلات بسيطة وعارضة لا تدعو للقلق.
وعلى سبيل المثال، نسمع منذ مدة طويلة عن حالات عقوق الوالدين التي تحدث في المجتمع ولا نتوقف أمامها كثيراً باعتبارها حالات نادرة. لكن هذه الحالات تجاوزت مستوى الهمس بين الجيران في الحي الواحد ووصلت إلى المحاكم! وقد قرأت في بعض الوسائل الإعلامية مؤخراً إحصائية عن حالات العقوق في بعض المدن السعودية، ولاشك أنها تمثل جزءاً قليلاً مما يحدث لأن الناس يعتبرون هذه الأمور مسائل عائلية ولا يرغبون في تصعيدها إلى المحاكم.
وقصص العقوق هي مجرد أمثلة على التغيرات السلبية في مجتمع تشيع فيه مواعظ الحض على بر الوالدين من خلال ما يدرسه التلميذ الصغير في مدرسته الإبتدائية حتى يكبر وهو يتلقى نفس المواعظ في مراحل التعليم العام ثم الجامعي، فضلاً عما يطلقه وعاظ المساجد والمنابر المختلفة ووسائل الإعلام.
مثل هذه المشاكل كانت موجودة منذ الأزل، ولو لم تكن موجودة لما تحدثت عنها الأديان وحاربتها. لكن حدوثها الآن في مجتمعنا على النحو الذي نسمع به ونقرأ عنه في خضم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مرَّ ويمر بها مجتمعنا تعني انها جزءٌ من مشكلةٍ أكبر.
ومثل هذا الكلام ينطبق على مشكلة تعاطي المخدرات، والظلم الذي تتعرض له بعض النساء بسلب حقوقهن تحت ذرائع مختلفة، والشرائح التي تعيش على هامش المجتمع بسبب عدم امتلاكها الأوراق الثبوتية الشخصية أو بسبب الهجرة من القرية إلى المدينة، وغير ذلك من القضايا التي حملتها لنا الطفرات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة.
كل هذه القضايا تحتاج إلى مواجهات جادة لا تخجل من تشخيص وتشريح المشكلات الحقيقية وتفكيكها إلى عناصرها ومكوناتها الأساسية بدلاً من التجاهل والإنكار، ثم الانتقال بعد ذلك إلى العلاج دون مجاملة لأحد أو لفئة من الناس.