نعيش الآن مرحلة تصحيح شجاعة لمسارات أخذتنا رويدا رويدا بعيدا عن طبيعتنا السمحة، وشطت بنا عما كنا عليه قبل منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الماضي من ثقة جميلة في بعضنا، ومن عدم تشكيك في العقائد والمنطلقات، ومن عدم تفريق في الوجهة الدينية والوطنية.
نعيش مرحلة التصحيح بعد أن استسلمنا ثقة وحسن ظن إلى ما وفد إلينا من أفكار الإخوان المسلمين خلال ثلاثة عقود؛ فانقلبت حياتنا رأسا على عقب؛ فلم تعد الثقة التي كانت تغمر أفئدتنا هي الثقة، ولم تعد السماحة والعفوية والاعتدال هي تلك التي كانت عنوانا للقاءاتنا واجتماعاتنا تحت سقف واحد ومظلة واحدة؛ الدين الواحد غير المقسم والوطن الواحد الذي لا اختلاف على حبه والولاء له ولقيادته والانتماء إليه بصدق!
اختفت البسمة التي كانت تغرد فينا على كل شفة، واختفت الطلاقة والبشاشة، وغربت سماحة المحيا ولطافة الحوار وحسن المعاشرة والتعامل بين الصغير والكبير والجاهل والمتعلم، وحل محل ذلك كله بعد طول حشو بمناهج التقسيم والتحزيب والتفتيت وإغارة الصدور على المختلف عن مناهج وتفاسير الجماعة، إشاعة الكراهية بين أفراد المجتمع بناء على قرب وبعد الانتساب إلى « المجتمع الإسلامي الجديد « الذي تريد الجماعة تخليقه وتكوينه، وتبسيط وتعليم الشبان من جيل التسعينيات الجرأة على إعلان عدم الانقياد لطاعة القادة الرسميين في الدولة من سياسيين وعلماء؛ فاستسهل التلامذة الأتباع إعلان النكير على الرموز عند كل صغيرة وكبيرة؛ كما حدث لا حقا بعد أن نضجت تربية الجماعة لأتباعها بعد عام 1411هـ في أثناء حرب الخليج الثانية؛ حيث ابتدأ الفعل الحقيقي الذي كان يهيأ له طويلا في الظهور علانية إلى الشارع على شكل جماعات منظمة تتقاطر فاكساتها على الصحف والمجلات حيث لم يخلق الإنترنت بعد، أو تزحف عام 1425هـ على بوابات التلفزيون لتمنع حلقة من حلقات برنامج كوميدي تناولت قضية المحرم!
لقد أخفى المنهج الخفي منه والمعلن، المكشوف منه والمستتر، الملقن منه بجرأة في المدارس والمخبأ في المخيمات والاستراحات نبض الحياة الطبيعية في مجتمعنا، علموا الشبان الأغرار كيف يكونون أبطالا مجاهدين باذلين أرواحهم في سبيل الله بمجابهتهم سلطة بلادهم ومؤسساته والسعي إلى تهميش أدوارها وإضعاف منزلة احترامها في نفوس الناس، أرادوا من أبنائنا أن يكونوا هم حراب التغيير بممارسة الضغوط على الدولة وعلى المجتمع بكل الوسائل؛ إن سلما أو حربا؛ فحين لم يجد تجييش الزحف إلى أي مسؤول يكون البديل الإقدام على ارتكاب فعل إجرامي لإرهاب السلطة والمجتمع وجرهما إلى الإذعان لمطالبهم! أعلن حزب الإخوان المسلمين غير المعلن تحديه سلطة البلاد والحكومة بمنع صور الملك من أن ترفع في الاحتفالات والمهرجانات، وبإنزال صور الملك وولي العهد من بعض المكاتب وغرف الاجتماعات، وبمنع النشيد الوطني والموسيقى العسكرية الوطنية واستبدال الأناشيد التي تسمى إسلامية محل السلام الموسيقي والنشيد الوطني!
لقد بلغت جرأة التنظيم حدا لم يعد يمكن السكوت عليه ولا مجاراته، وظهر أثر تغلغله في وزارة المعارف ثم في وزارة التربية والتعليم لاحقا بصورة مفضوحة صارخة؛ وكأنهم هم من يقودون مسيرة التعليم لا في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية فحسب؛ بل حتى في المراحل الجامعية وما بعدها من حيث تهيئة الكفاءات العلمية التي كان يخطط ويرعى لابتعاث المميزين النابهين من المستقطبين إلى استكمال تعليمهم العالي في الجامعات الأمريكية والأوربية ليعودوا لاحقا جاهزين لتولي مناصب قيادية في مرافق شتى في الدولة ويحدثوا التغيير المطلوب كأصحاب قرار؛ في وقت لم يكن الابتعاث سهلا ولا ميسورا لمن رغبه! لقد تغلغلوا في التعليم؛ فقلبوا عاليه سافله، وغيروا مناهجه، وعينوا قادته، ومنعوا مناشطه القديمة المعتادة كالمسرح والكشافة واستبدلوا بهما مهرجانات الأناشيد والجوالة، ودمروا مكتباته فأحالوها إلى مطويات وعظية! يتبع..