الجزيرة - الرياض:
اختُتمت مساء أمس الأول بمدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية أعمال ندوة «تعزيز العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الاقتصادية في الوطن العربي»، التي عقدتها منظمة العمل العربية، واستمرت ثلاثة أيام.
وقُدمت في الندوة العديد من البحوث وأوراق العمل التي قدمها الخبراء والباحثون من عدد من الدول العربية التي شاركت في الندوة. وساد الندوة نقاش علمي ومهني عميق حول ضرورة بناء استراتيجية تنموية للإعلام الاقتصادي الاجتماعي في الوطن العربي، في إطار الورقتين اللتين قدمهما للندوة كل من الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود الأستاذ المشارك في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام بالرياض، بعنوان «التكامل الإعلامي الاقتصادي في الوطن العربي .. محاولة لتأطير العلاقة المهنية بين قيم النفع العام وقيم السوق»، والدكتور عبد اللطيف بن صفية من المملكة المغربية، بعنوان «دور المؤسسات الإعلامية في التنمية الاقتصادية للفئات المجتمعية .. رؤية استراتيجية»، وما تبعهما من مداخلات.
وتعود فكرة عقد هذه الندوة إلى مخرجات الندوة الأولى التي عقدتها المنظمة خلال العام 2011م حول التكامل بين الإعلاميين والاقتصاديين في الوطن العربي.
وكانت دراسة الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود، التي قدمها حينذاك، حول مفاهيم وجدليات ممارسات الإعلام الاقتصادي في الوطن العربي، قد انتهت إلى بناء نموذج لدعم العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الاقتصادية.
وأكد الحمود في تلك الورقة أنه يمكن الجزم بأن السمة الغالبة للتجارب الإعلامية العربية تذهب مذاهب شتى بعيدة عن هموم الشأن العام، وتطلعات الشعوب العربية، وآمالها، وطموحاتها.
كما أن قدرة تلك الوسائل على المساهمة الفاعلة في تحقيق تنمية اقتصادية عربية طموحة لأمر يبدو أكثر سوءاً في تجاربنا الإعلامية المعاصرة. ولهذا شواهد عدة، لعل من أبرزها أن المؤسسة الإعلامية ذاتها في الوطن العربي المعاصر قد باتت تنافس كبريات المؤسسات التجارية من حيث قدراتها التمويلية والتسويقية التي نالت من وظيفتها الإعلامية، وحادت بها نحو السعي لتحقيق المزيد من الكسب والأرباح المادية، باعتبارها مشروعاً تجارياً، عوضاً عن أداء وظيفة اجتماعية عامة.
ومن هنا يمكن الجزم بأن الرسالة الإعلامية العربية تواجه في الوقت الحالي مشكلة (الانحسار الحاد) لوظيفتها التنموية بشكل خاص. كما أشارت الورقة إلى تحولات عدة في فضاء الإعلام العربي من حيث علاقته بالمنظومات الاقتصادية؛ إذ تداخلت أنماط ووسائل الاتصال والإعلام مع بعضها في تكاتف غير مسبوق بين آلات العمل الإعلامي الاتصالي من أجل زيادة القدرة التمويلية والتسويقية للمشروعات الإعلامية؛ وبالتالي تطورت مهارات الاتصال الإقناعي التي تمارسها تلك القنوات (المشروعات التجارية) على الجمهور العربي المعاصر لكسب ولاءاته وتحفيزه بطرق شتى لدفع الأموال الطائلة من أجل شراء الخدمات التي تقدمها تلك القنوات والوسائل، وأحياناً من أجل وعود بالتملك أو الفوز بالغنائم الكبرى في المسابقات المشبوهة.
كما تمت ملاحظة تركيز الرسائل الإعلامية على نماذج من المترفين في الوطن العربي، وتقديمهم باعتبارهم نجوماً أو قدوات، عوضاً عن تقديم سِير النجاح الإنتاجي المهني للأفراد والمؤسسات، مع ما تنطوي عليه تلك الرسائل من إثارة الشعور بالإحباط لدى الشباب في الوطن العربي، والحيلولة دون مشاركة فاعلة في العمل التنموي المتكامل.
ومع تنامي هذا النهم التجاري البحت تيسرت ملاحظة وقوعو إمكانية وقوع بعض الوسائل الإعلامية العربية المعاصرة في قبضة الممولين الكبار الذين قد يكونون خارج حدود الوطن العربي، الذين قد لا تعنيهم القيمة التمويلية التي يتكبدونها، ولا الأرباح المادية المتحققة لهم في سبيل ما يمكن أن تحققه تلك القنوات والوسائل لهم من هيمنة جديدة على مستويات عدة سياسية وثقافية واجتماعية.
وربما نظرت تلك المؤسسات الإعلامية العربية التي باعت أو أنه يمكنها أن تبيع كثيراً من المعايير القيمية، في سبيل جني مزيد من الأرباح، باعتبار ذلك فرصة حيوية لا بد إلا أن تستغل أيما استغلال.
ودخل في سباق الهيمنة هذا عدد من كبريات الشركات العاملة في قطاع الأعمال على وسائل الإعلام العربية من خلال قدرة تلك الشركات على التحكم في إمدادات الإعلانات المدفوعة؛ ما أنتج نوعاً من الاتفاق الضمني بين المؤسسة الإعلامية وكبريات الشركات التجارية، على أن يكون الجمهور مغيباً في معظم الحالات عن أهم الإشكالات التي تواجه سوق المال والأعمال، وبخاصة المرتبطة بنشاط تلك الشركات؛ ما يساهم في استمرار تجهيل جمهور وسائل الإعلام مع ما يواجهه عملياً من تكبد لخسائر غير مبررة ناجمة عن تكلفة الخدمات الأساسية أو بعضها.
كما اتضح أن هذا الواقع الجديد للسباق العربي المحموم نحو تحقيق المكاسب المادية جعل الوظيفة التنموية للإعلام العربي المعاصر تواجه مخاطر جمة لا يمكن التنبؤ بمستقبلها؛ ذلك أنه يمكن النظر لوسائل الإعلام العربي المعاصرة باعتبار أن الجمهور العربي في معادلتها الاقتصادية أقرب لفكرة (السوق) من أن يكون جمهوراً إنسانياً يستحق تلبية احتياجاته، وتحقيق تطلعاته التنموية.
والمعادلة الاقتصادية تلك قوم على المنافسة في فرض القدرة التسويقية أكثر من أن تعمد لإشاعة القيم النبيلة السامية، أو أن تسعى لتحقيق متطلبات المسؤولية الاجتماعية في الرسالة الإعلامية.
وتم بناء النموذج ليكون قادراً على الإجابة عن مجموعة من التساؤلات المهمة التي ينبغي إثارتها عند التوجُّه لتطوير قدرة وسائل الإعلام العربية على أداء وظيفتها التنموية في مجال التنمية الاقتصادية.