من ينظر في أحوالنا الاقتصادية الآن، وفيها قبل عشرين عاماً، سيكتشف الكثير من التغيُّرات المخيفة في النمط الاستهلاكي لحياتنا اليومية، وكيف أصبحنا نبتكر المناسبات الاجتماعية لنصرف الكثير من الأموال، ولنقترض من البنوك، ثم نبكي على حالنا، ونلوم تردي أوضاعنا الاقتصادية!
قبل عشرين عاماً، لم تكن غالبية العائلات السعودية تعرف السفر، إلا نحو القرية أو (الديرة) قبل أن يتم اكتشاف باريس وروما ولندن ونيويورك، وقبل أن تتفنن مكاتب السياحة والسفر في الإيقاع بهذه العائلات في حلم السفر إلى الشرق والغرب والشمال البارد، في ذروة الصيف الخانق، وصحوة الغبار من مكامنه الخفية!
قبل عشرين عاماً، لم تكن غالبية العائلات السعودية، تعرف شيئاً اسمه شهر العسل، ولو حدث على نطاق ضيق، فهو لن يتجاوز بيروت والقاهرة، ما لم يقتصر على جدة ومكة وما حولهما، لكن تجار السفر عرفوا كيف يقنعون العرسان بالسفر إلى أغلى دول العالم، والسكن في أكثر فنادقها شهرة، أليس شهر العسل الذي لا يتكرر؟.. فتورطَ شبانٌ تعبوا في توفير المهر، واستئجار شقة متواضعة، في السفر إلى سويسرا وأمريكا وغيرهما.
قبل عشرين عاماً، لم تكن غالبية العائلات السعودية، تعرف ما يُسمى بحفلات التّخرج، ولو حدث فهو شيء نادر، مجرد وجبة غداء أو عشاء متواضع، قبل أن يتقن مديرو الحفلات في الفنادق والقاعات والصالات غواية هذه العائلات، ونصب الفخاخ لها، لعمل حفل تخرُّج أسطوري، يتحدث عنه البعيد قبل القريب، وتتداول صوره مواقع التواصل الاجتماعي، من تويتر وفيس بوك وإنستجرام، حتى لو كان حفلاً يخص خريجي المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، وبالطبع لا تعمل القاعات والفنادق وحدها، بل جميع المحال ذات العلاقة، من محال الهدايا، أو منظمي الحفلات، إلى مؤجري أجهزة الدي في دي... إلخ.
قبل عشرين عاماً، لم تكن غالبية العائلات السعودية، تعرف ما يُسمى بحفلات استقبال المواليد الجدد، وما فيها من «فشخرة» و»ادّعاء الثراء»، والتطاول في قيم الهدايا، والماركات، وغيرها من العبث الاستهلاكي المقيت!
كل هذا حدث في ظرف عشرين عاماً، بخلاف المتعارف عليه منذ سنوات بعيدة، كحفلات الزواج، والتي تطورت وكبرت، وصحبها نوع الهدايا، وشراء الماركات العالمية الشهيرة، مما جعل معظم السعوديين، أو جميعهم، أسرى لقروض بنكية شخصية دائمة، بسبب عدم الوعي الاستهلاكي، الذي لو عقدنا مقارنة بسيطة بينه لدينا، وبين المواطن الأوروبي في أي دولة، لاكتشفنا كم هو مغرر بنا، بسبب انسياقنا خلف «الفشخرة» بمسميات نطرب لها، من أن فلاناً «مطنوخ»، و «بطران» وما شابه ذلك، مع أن بيننا فروقاً واضحة، وفجوات كبيرة، في مستوى الدخل، وبالتالي علينا أن ندرك هذه الحقيقة، وألا ندّعي جميعاً أننا قادرون على فعل ذلك، بمعنى أنه يجب علينا وضع ذاك المثل الشعبي القديم نصب أعيننا: «كلن يمد رجليه على قد لحافه».