ارتبط مهرجان الجنادرية ارتباطا وثيقا باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - فإليه يرجع الفضل في وجود هذا المهرجان فهو من تبنى - حين كان رئيسًا للحرس الوطني - فكرة تطوير سباق الهجن, الذى بدأ في عام 1395هـ، ليتحول من مجرد سباق إلى مهرجان كبير يعرض تراث وثقافة المملكة, وانطلقت دورته الأولى في عام 1405هـ، ومنذ ذلك التاريخ ينعقد المهرجان بانتظام في فصل الربيع من كل عام، وقد تطورت فعالياته إلى أن صار كيانًا تراثيًا وثقافيًا وفكريًا يُذكِّر بأسواق العرب في عكاظ والمربد وغيرهما. وعلى مدى تسع وعشرين دورة هي عمر المهرجان لم يفتقد المهرجان في أي من دوراته حضور الملك عبد الله، فإن لم يكن حاضرا بنفسه ومشاركا بشكل شخصي في بعض فعالياته - كأداء العرضة السعودية - فهو متواجد كداعم وراع لهذا المهرجان الذي يقام سنويا تحت رعايته الكريمة.
ويعدّ المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» واحداً من أضخم الفعاليات الثقافية والتراثية في العالم, وذلك من حيث عددزائريه، ومساحة موقعه، وفترة انعقاده. فقد اجتذب المهرجان في دورته الأخيرة ما يقرب من عشرة ملايين زائر من المواطنين والمقيمين والأجانب, توافدوا على مدى أسبوعين إلى القرية التراثية في الجنادرية, التي تبلغ مساحتها حوالى 6 كم2 تقريبًا، وتعدّ من أولى قرى العالم الحديثة, التي شيدت لإقامة المهرجانات التراثية، وتضم القرية أكثر من ثلاثين معلمًا تراثيًا بارزًا بنيت محاكية للمباني الأصلية.
ومنذ انطلاقته الأولى يسعى المهرجان إلى تحقيق عدد من الأهداف منها: التأكيد على أهمية التراث، والعمل بكل جهد على إحيائه بشتى الوسائل، والتصدي للمحاولات التي تهدف إلى التقليل من شأنه، والتأكيد على العلاقة التبادلية بين التراث والنمو الثقافي، فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، وكذلك إظهار الوجه الحضاري المشرف للمملكة العربية السعودية، وذلك من خلال التعريف بأوجه النشاطات الثقافية والفنية المختلفة الموجودة في المملكة، ولكي تتحقق تلك الأهداف تقوم أنشطة المهرجان وفعالياته على محورين رئيسيين هما:
محور التراث حيث تم تحديد مساحة من الأرض على شكل خريطة المملكة العربية السعودية، تقيم عليها كل منطقة من مناطق المملكة قرية تراثية تمثلها، وبالإضافة إلى الأسواق الشعبية، ضمت هذه القرى العشرات من الحرف والصناعات التقليدية المختلفة، إضافة إلى تمثيل بعض العادات والتقاليد، وتمثيل المدرسة القديمة وكتاتيبها، وغير ذلك من مظاهر الحياة الشعبية.ثم يأتي محور الثقافة حيث يحتضن المهرجان سنويًا عددًا من الندوات واللقاءات الفكرية التيتناقش المأثورات الشعبية في العالم العربي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري، وقضاياها, التي تركز على مفهوم التراث والهوية وغيرها مما يتضمن التراث, مثل: الآثار والمتاحف والمواقع الأثرية والمباني التاريخية والشعر والقطع الأثرية والعادات والتقاليد الشعبية والفنون الشعبية بكل أشكالها، وكذلك القضايا الفكرية التي تشغل الرأي العام العربي، إضافة إلى إقامة مساجلات الشعر الشعبي، معارض الكتب والمخطوطات والفنون التشكيلية، وقد درج المهرجان على استضافة نخبة من جهابذة المفكرين والأدباء والنقاد والمبدعين, من كل أرجاء الوطن العربي, حتى صارت ندوات الجنادرية تمثل المدارس الفكرية والأدبية والإبداعية العربية جميعها، كما يستضيف المهرجان إحدى الدولالصديقة أو الشقيقة كضيف شرف بمنحها جناح خاص تعرض فيه مظاهر ثقافتها وفنونها، وأشهر منتجاتها، وأهم مدنها، وضيف شرف هذه الدورة دولة الإمارات الشقيقة, التي يكن لها الشعب السعودي كل حب واحترام في ظل قائدها الشيخ خليفة بن زايد حفظه الله.
ولقد أصبح بذلك مهرجان الجنادرية أحد عوامل الجذب الرئيسة للسياحة التراثية والثقافية في مدينة الرياض، وأنفق زائروه في دورته الأخيرة ما يزيد عن300 مليون ريال، وهو ما يعني أن الجنادرية أصبح له حراك اقتصادي كبير إلى جانب الحراك التراثي والثقافي والسياحي.
وأخيراً ألا يمكن أن يكون الملك عبد الله قد خطط لمشروعه الكبير - مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث - منذ أكثر من ثلاثين عاما ... لله درك من ملك.