من تسنى له قراءة قصص نجاح كثير من الدول في تجويد التعليم، التي بات يشار إليها بالبنان «كماليزيا، سنغافوره، كوريا الجنوبية وفنلندا، وغيرها، سيجد بأن هذه الدول أدركت بأن المعلم يعد هو عصب العملية التعليمية، وهو أسهّا، وأن وراء نجاحها معلمون مميزون، وأن عملية اختيار المعلم من بين المتقدمين للعمل في التعليم، هي أهم خطوة في سلم تجويد التعليم، سيما وقد أثبتت دراسات بأن الطالب الذي يتعلم على يد معلم متميز يتفوق بمقدار 20 مرة على الطالب الذي يتلقى التعليم على يد معلم ضعيف - ولهذا لماذا نجد أولياء أمور يجدّون في البحث عمن يدرس أولادهم؟- ثم تلي هذه الخطوة، خطوة تأهيله، والاستمرار في تدريبه، وتقويمه عبر بطاقة الأداء الوظيفي، والاستفادة من نتائج تقويمه، فإن كان من المعلمين البارزين وفق جوانب قوة ذكرت من قبل المقّوم «مدير المدرسة» فيتم الاستفادة منه في أدوار أخرى «إدارية، إشرافية» أو يحفّز وهو يمارس مهامه كمعلم، كي يعرف قدراته، وإن كان غير ذلك، وأبدى عليه المقّوم ملحوظات، دونت ببطاقة الأداء الوظيفي فينبغي الاستفادة منها في رسم الخطط التدريبية التي تستهدف تنمية مهاراته، ومع الأسف أن بطاقة الأداء الوظيفي لدينا روتين مستهلك، ويتم التعامل معها على أنها عبء ثقيل، ولا يستفاد منها في تقديم تغذية راجعة لمصلحة المعلم، أو لمصلحة إصلاح التعليم، وتطويره وتجويده.
فلِمَ الغضب من برنامج «قياس اختبار كفايات المعلمين» الذي تولى مهمة عقدها المركز الوطني للقياس والتقويم؟ ولِمَ نجد من يحاول تضخيم قصة أن المجتمع بأكمله ضد فكرة اختبار كفايات المعلمين، أو ضد قياس بشكل عام، بينما يتجاهل بأن النسبة الأكبر التي دخلت اختبار كفايات المعلمين هي النسبة الأكبر؟ لكن عادة من يعلو صوتها، وتستخدم وسائل التواصل، وتتداخل مع البرامج الحوارية التي تهتم بالقضايا الوطنية؛ هي (الشريحة التي لم تستطع تجاوز اختبار قياس لكفايات المعلمين) وأنا أضع «اللوم « على مقدمي تلك البرامج التي أسهمت في رفع صوت هؤلاء، كبرنامج (الثامنة) ومقدمه داود الشريان، لأنه حين تناول قضية اختبار قياس لكفايات المعلمين، مع سمو الأمير الدكتور فيصل المشاري، لم يحضر الطرفين، الطرف المؤيد، أو الشريحة التي حققت النجاح في الاختبار، واستضاف معهم الشريحة الممانعة التي تقف ضد اختبار قياس، واستضاف خبراء تربويين، لتوضيح أهداف اختبار كفايات المعلمين، فالمرء - أحيانا - عدو ما يجهل، فأهم هدف جاء لأجله هو (اختيار الأفضل من بين المتقدمين للعمل كمعلمين) وهم كثر، خاصة بعد النقد الموجه للتعليم، وما يعانيه من ضعف في مخرجاته، وأن أحد أسباب ضعف التعليم عندنا (بعض المعلمين) الذين لا يؤمنون إلا بالطرائق التقليدية في التدريس القائمة على الإلقاء والتلقين، ويعانون من الضعف في تطبيقات القياس والتقويم، ولديهم قناعات بأساليب العقاب، وأن الوسائل التعليمية، وملف إنجاز الطالب، والدورات التدريبية، وأوراق العمل، ليست إلا أعباء ثقيلة على كاهل المعلم، وأنها شكليات لا فائدة منها، وأن عملية تسويق العاطفة في قضايا وطنية، أمر غير جيد، لأن فلانا (فشل في اجتياز اختبار كفايات) وقد مضت عليه سنتان أو ثلاث أو أربع، وهو يختبر ولم ينجح ! ويعاني، وأنه عاطل، ولديه عائلة، وأن اختبار قياس كما قال أحدهم في أحد البرامج (خطر على أمن الوطن) ونسي هذا، أن الخطر على أمن الوطن هو تعيين معلم ضعيف سيعصف بمستقبل جيل كامل، جيل يعوّل عليه حمل أدوات العمل، ومسئولية نهضة وبناء وطن؛ معلم ضعيف لو كتب سطورا يشرح فيها قضيته، لأخطأ إملائيا ما يجعله يخجل من اعترافه بأنه معلم، واقرؤوا قول أحمد شوقي:
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ
جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا
فلا تضعوا العصي في دواليب مشروع قياس الوطني، وأحد أهدافه التدقيق في كفايات من سيعمل في أهم ميدان خَصصت له الدولة ربع ميزانيتها، بينما نقف إعجابا لتجربة اليابانيين وهم يشترطون على المعلم أن يكون حاصلا على شهادة الماجستير، وخبرة سنة على الأقل في التعليم، ثم يجتاز اختبارا في التربية وتخصصه ليحصل على رخصة معلم، ثم اختبارا آخر ليحصل على التعيين، ويجب أن يلتحق برابطة المعلمين ويلتحق بالدورات والمناشط الإشرافية، ولا بد له من إعداد دراسات وبحوث، ويقدم مقترحات لتطوير التعليم.