العمالة الوافدة من شتى أصقاع العالم. وبالتجربة والبراهين وحالة التعامل مع الآخر هو أيضاً من أكثر المجتمعات اعتماداً على (الظن) و(الشكوك) والحكم على النوايا وفقدان القدرة على تمييز الناس حسب أفعالهم. فبما أنه مجتمع (كتوم) وغير تلقائي ولا يقول ما يؤمن به دون أن يحسب حساباً للآخرين، فهو يمتلك (معجمه) الخاص الذي تشكّل عبر سنوات طوال يخيّم على خارطتها فقدان الثقة بالآخرين ولو
كانوا من بني وطنه أو حتى من انتماءاته (العصبوية) كالقبيلة التي ليست بالنسبة له أكثر من إثبات ٍ للأهلية والعائلة التي ليست - أيضاً - سوى (العزوة!) و(المتكأ) في ظل فقدانها لسطوتها التي مارستها في عصور (الظلام!) يوم لم يكن يحكم سواها ويمكنه أن يفرض الحق ويمكنه الفصل سواها (هي: فقط!) والتمييز بين الحق وبين الباطل.
ولهذا ترى ممارسات - بقدر ما هي مخجلة هي أيضا مضحكة! - من قبيل (المحل للتقبيل لعدم التفرغ!) والتي شأنها شأن كل كائن حيّ التطور إلى أن صار أمراً اعتيادياً أن نسمع عبارات من مثل (ياالربع وش نسوي؟ شغالتنا هجت!) و(ياخوك والله ورطنا : سواقنا انحاش!)! ومن رحم هذه الوقائع غير المُفَكّر بها نشأت أسوأ تجارة وهي أن يقوم رجل ما أو سيدة ما بـ (تأجير) الخادمات والسائقين بمبلغ يبلغ ثلاثة أو أربعة أضعاف أجرهم الحقيقي حينما يستقدمهم ذو الحاجة إليهم! والمؤسف أن هذا يتمّ تحت سمع وبصر الجهات المختصة دون أن تتمكن من منعه بدعوى أن الشيوخ (رجال الدين!) لم يقولوا بـ(حرمته)! وذلك لانشغال هؤلاء بما هو من وجهة نظرهم أهم!!
متناسين أن بعض الممارسات (كالتي ذكرنا جزء يسير منها) تعطي (جواز سفر) لما هو أبشع منها، ولما هو من قبيل (التحايل) عن طريق الدين الذي كرّمه الله عن ممارسة التحايل! والذي هو من صميم تكويننا (الوجداني) و(العقلي) والذي ليس مطية لمن شاء أن يقول ما لا يفعل!.
تهرب الخادمة لعدة أسباب؛ منها ما تلقى من تعامل ممتلىء بالاحتقار. ومنها ما في نفسها من رغبة في خرق الأنظمة والإجراءات وربما دخول واحد من العمالة الذين لا يرعون إلا ّولا ذمة. وفي سبيل نهب المال ولتأصل رغبة الفساد الأخلاقي ولعدم اكتراثها بالعقوبات كونها كانت تعيش في مجتمع لا بد ّ له من التحايل لكي يهنأ بما يدرّه عليه هذا التحايل من المزيد من المال، ولأنه ليس في وارد التفكير (هل ماله حلال أم حرام؟!). ولست أعمم - أعوذ بالله - ولكن الخبرات التي تراكمت في وجداناتنا تحتم علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال، ولأنني أؤمن - بعمق - أن الحقّ هو أحقّ أن يقال. وبسبب تجاهلنا لهذه الجملة الأخيرة أصيب كثير منا بأمراض النفاق ودسّ الحقيقة التي نعرف أنها لا ينبغي أن تدّس! ونعرف وعيد الله الشديد لمنكر الحقيقة ولمزوّر الحقيقة وبعض منا (يدّعي) أن المؤسسة السياسية تشجع السكوت، وتمارس الصمت، وتلك دعاوى ثبت بطلانها. فلم تقم المؤسسة السياسية بـ (مكافأة) جاحد أو شاهد زور. أو متلاعب بالمال العام أو منتهك للحرمات. بل إننا نرى خلاف ما يشاع ونؤمن أن وطننا ليس ألعوبة لمن شاء!.
إن الحديث عن سلبيات وأخطاء واضحة ليس من باب الشماتة، كلا والله!. إنه طمع مشروع بالوضع اللائق بوطن ٍ لم يعد جزيرة نائية، بل إنه وطن ينظر إليه الناس على أنه وطن مؤثر في لعبة السياسة والتوازنات، وطن ضخم - إن كانت هذه الصفة تكفي! - ولذا، فإن الكتابة لم تعد لعبة للتسلية ولا زمنا لتضخيم الذات ولا مجردّ وظيفة شاء حظ أحدنا ألاّ يجيد عملاً سواها وبقليل من الواسطات وسعي أهل الخير يصبح أيّ شخص يعتبرها (عمله) - وأودّ أن أشير إلى مسألة مهمة جداً على الأقل بالنسبة لي وهي أنني لست في مجال تصنيف البشر ومدى قدرة كل إنسان على القيام بعمله، فتلك قضية لا تشغلني كثيراً! فمثل كل المهن لا بدّ أنه سيوجد فيها المميّز، والمقبول، والجادّ والذي يأخذ المسألة كنوع من الهزل مثل أيّ قضية قابلة للاختلاف -.
إنّ قلبي على وطني!، ولست أحسب هذا مأخذا عليّ!. والذين لا يعرفون الحب لا يعرفون كم أنه وقود حقيقي للإبداع مثلما أنه أحد أهمّ واجبات الإنسان نحو وطنه الذي يصعب إحصاء كم منح الوطن لأبنائه. فعلاوة على أنهم تشرفوا بالانتماء إليه فهم من يستطيع الحديث عنه.. ولكن بحب!