في سويسرا ذات السبعة الملايين ونصف المليون نسمة يسكنها (450) ألف مسلم أقاموا المساجد بمآذنها المألوفة في ظل قوانينها العلمانية ومجتمعها الليبرالي اللذين يضمنان حق المواطن والمقيم في ممارسة العبادات وبناء دور العبادة.. إلا أن اليمين المتشدد الذي يشكله المتدينون في تلك البلاد ومن خلال القنوات الدستورية طرح قانوناً يقضي بحظر بناء مآذن جديدة وفاز القانون بنسبة (57%) من الناخبين السويسريين.
الحوار الذي دار قبل التصويت والتعليقات التي أُطلقت بعد إعلان النتيجة لم تتحدث عن المآذن وفلسفتها، بل تركّزت على حقوق أصحاب الديانات ومن أولئك المسلمون.. وكانت تتمحور حول الآثار السلبية الناتجة عن مثل هذا القرار على منظومة القيم والمفاهيم الحضارية لسويسرا، حيث طغت على الحوار كلمات مثل «التمييز العنصري» و»الدعوة للكراهية»، و»عدم التسامح»، و»تدمير السِلْم»، و»تشجيع التطرف»، و»الفاشية والشعوبية»، و»الانحطاط الحضاري».. كما أن الحوارات والتعليقات لم تركّز على الدفاع عن المسلمين، بل ركّزت على الدفاع عن الحقوق والقيم والمفاهيم الحضارية التي ترتقي بالدول في مقابل تلك التي تخسف بها إلى المدارك الحضارية السفلى.. ويؤكّد الكثير من المعلّقين أن تمرير القانون لم يكن في أجواء معرفية دقيقة، بل مررته الجماعات اليمينية في إطار حملة الإسلاموفوبيا.. ولذلك أسموه تصويت «الخوف والجهل والخلط بين الأمور».
الدين الإسلامي دين القيم والمفاهيم الأخلاقية.. فديننا يدعو للعدل ويحارب الظلم ويدعو للتسامح وينبذ العنف ويدعو للتواضع ويستنكر التكبر والازدراء ويدعو للمحبة ويجرّم الكراهية.. ديننا يقول: لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.. الدين الإسلامي رسَّخ هذه القيم لدى معتنقيه في صدر الإسلام فسادت الحضارة الإسلامية.. وتفسخت هذه القيم فتخلفنا وذلك بالتزامن مع اتجاه الغرب لاعتناقها أخلاقياً وقانونياً بعد حوارات طويلة بين نخبه.. فبدأ مسيرة التطور الحضاري حتى أصبحت حضارته اليوم هي السائدة شئنا ذلك أم أبينا.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - تبنى الحوار كآلية مثلى ووقائية للتصدي لكافة القضايا المحلية والدولية بما في ذلك الصدام بين الحضارات.. فأطلق محلياً مركز الحوار الوطني وتبناه.. وعلينا أن نستثمره في حوارات الحقوق والقيم الحضارية التي تدعو للعدل والتسامح والتعايش والمساواة والمحبة والتراحم واحترام حقوق الآخر لننطلق في مسيرة التقدم الحضارية كما هو حال الدول الغربية حالياً.