تشير بعض الدراسات الإحصائيات السابقة إلى أن 76% من المشروعات الصغيره الناشئة في المملكة تفشل خلال الستة أشهر الأولى من إنشائها. إن صحت هذه الأرقام وبهذه النسبة الكبيرة فهي بكل المقاييس تمثل ظاهرة خطيرة في ميدان الأعمال، ويحسن التوقف عندها وبحث أسبابها وإيجاد الحلول العملية الناجعة لعلاجها.
ويبدو أن ذلك يعود -من حيث المبدأ- لعدة أسباب، قد يكون في مقدمتها الخوف مما هو قادم أو من الفشل وانعكاساته الاجتماعية. وقد تلاحظ لي أن معظم التحديات التي يواجهها المبادرون والمبادرات من الشباب تعود إلى عدم قدرتهم على التخلص من أخطائهم السابقة وحملها معهم لدرجة تثقل كاهلهم وتزيد من عناء الطريق والخوف من الفشل، وتحد من إقدامهم وطموحاتهم وقدراتهم على مواجهة المخاطر.
ذكرت في منتدى أطلق مشروعك الأسبوع الماضي أن من أهم مفاتيح النجاح في ميدان الأعمال أن ينسى الإنسان مشاكله وعيوبه السابقة وأن يتخلص من حملها أو جرها معه في مشوار رحلته العملية التالية. حمل العيوب والمشاكل والخسائر لن يضيف أي قيمة لصاحبه شأنه في ذلك شأن حمل البضائع عديمة الصلاحية. ينقلها المسافر من مكان لآخر وتحد من قدرته على الحركة والمسير دون الاستفادة منها.
أعتقد أن هذه العلة الاجتماعية ربما تكون مسؤولة بشكل رئيس عن تردد الشباب عن تبني مبادرات خلاقة وعن معظم الاخفاقات التي قد يقع فيها الشباب وأصحاب المبادرات، خاصة إذا ما تذكرنا أن المجتمع غير غافر ويميل بطبعة إلى التوقف عند العيوب والهفوات والأخطاء.
من الأخطاء الشائعة في مجتمعنا هو الانزعاج غير المبرر من الوقوع في الأخطاء .. يجب أن لا يكون الفشل أو الخسارة محدداً للإقدام. لقد أثبتت الدراسات العلمية أن رجال الأعمال البازين لا ينجحون في أول شركة ينشئونها ولا في الثانية ولا حتى الثالثة. وتشير الدراسات إلى أن رجال الأعمال البارزين يفشلون بما معدله 3.6 قبل أن يحققوا نجاحات نوعية. الوقوع في الخطأ أو الفشل ليس مشكلة بحد ذاته، المشكلة تكمن في عدم الاستفادة من الدرس بل وجر وحمل العيب أو الفشل، أو بعبارة أخرى تحميل الماضي على المستقبل.. لو فعل ذلك ديلانو روزفلت المصاب بشلل الأطفال وحمل عيوبه لما أصبح حاكما لولاية نيويورك ثم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. ولو جر الخطيب الإغريقي ديموثيوسي عيوبه في عدم قدرته على النطق السليم لما اصبح اشهر خطيب في التاريخ القديم. يقول الخبير الإداري ما كسويل يمكنك أن تحلم بما تريد بغض النظر عما أنت عليه الآن. المستقبل لا يتوقف على الحاضر ولا على الماضي.
تذكير الابن أو تأنيب النفس بهفوات وسواد الماضي لم ولن يساعد على إضاءة الطريق في المستقبل بل سيحد من نور البصر والبصيرة معاً. الذي أردت أن أصل إليه هنا هو أن الميل إلى التحفظ والخوف من الفشل بالإضافة إلى جر العيوب ساهم في الحد من إقدام كثير من الشباب وترددهم في تبني المبادرات والإبداعات الخلاقة والمشروعات التجارية الجديدة وحرم المجتمع والاقتصاد الكلي من مبادرات جيل يمثل النسبة العظمى (73%) من السكان. تربية النفس على نسيان الأمس محور مفصلي في التقدم إلى الأمام وتحقيق طموحات المستقبل.
والله من وراء القصد،،،