سئل كسينجر عن فوائد الشهرة فقال (أحسن فوائد الشهرة أنك عندما تكون مخطئاً فإن الناس يتهمون عقولهم)، وممكن لي أن أضيف لقول كسينجر، أنهم مستعدون أن يصفوا أنفسهم مجانين ومعتوهين وعميان في حال المخطئ مشهوراً،عندما يكون الإنسان مشهوراً تتفتح له أبواب كثيرة مثل، المادة، والمكانة الاجتماعية، وتتسهل له أموركثيرة في حياته، وتصبح كلماته مسموعة ورنانة وكلها حكم، ويجد من يصفق له على كل كلمة يقولها، حتى لو ألقى نكتة سخيفة ضحك تابعينه ومؤيدينه وتصبح نكتته مثلاً، وكل عثراته يوجد من يبررها، فما بالك أن يكون هذا المشهور شخصاً له رهط كثير فهم بالفعل يرونه فوق مستوى البشر وأن الله خلقه لينفع الإسلام والمسلمين، بل يظن بعضهم أنه يختلف عن البشر بكل تفاصيل حياته، ولا يمكن أن يخطئ، مع أنه إنسان مثل البقية يخطئ ويصيب، يأكل الخبز ويشرب الشاهي، وينام ويقوم ويدخل الحمام، وله رغبات واحتياجات جسدية ومشاعر وعواطف قد يضعف في لحظات وتخرج منه مهما حاول منعها، وتزداد ثقتهم به كلما كان كلامه وصايا وانتقادات على مدار الساعة لكل تحركات وجديد المجتمع، وكلما صنف مجتمعه إلى تصنيفات كلها في النار ما عدا هو ومن اتبعه، وكلما كان احتسابه على النساء، ومحاربة الاختلاط فهذه الأخيرة شهادة تقوى كافية لكي يثقوا به، فيزدادون اطمئناناً أنه فوق الشبهات، وحتى لو أخطأ مثله، فسيجد من يبرر له ويكذبون أنفسهم ويقسمون بأغلظ الأيمان وبجميع الكتب السماوية أنه لم يخطئ، وأنه أنزه من النزاهة، ويحاولون أن يجدوا مخرجاً وتفسيراً لكلامه بأنه يستخدم البلاغة في ألفاظه والتورية وأنه لا يمكن أن يفهم العامة ما يقوله، ويلبسوا خطأه لباس الدين والتقوى وأنها ابتلاء من الله، وحتى لو سمعوا صوته وهو يتكلم بطريقة مخالفة لمبادئه، فمن المؤكد أن الغرب الكافر قد اخترع برامج لتقليد الصوت، حتى لو رأوه رؤيا العين، وكما نعاين الشمس، فهم على أتم الاستعداد أن يكذبوا عيونهم ويظنوا أنهم لمحوا شيطاناً من بعيد من الجن متلبساً بلباسه المنزه عن الخطأ، ويستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم.
إن ممارسة الإنسان الراشد حياته مثل ما يريد، هو شأنه، ولا نغلط أحدا، بشرط ألا يلبس لباس التقوى والزهد على الناس، ويحاصرهم ويقرر مصيرهم بمنع كل ما تشتهي أنفسهم ويقرر عنهم ما هو مباح لهم وما هو محرم، ويقذف هذه ويقطع رزق أخرى، ويترصد لرغباتهم، وإذا أسدل الستار يعمل بمبدأ إن لنفسك عليك حقاً وأن ساعة لربك وساعة لنفسك.