يحمل سمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل وهو القوي الأمين ورجل المهام الصعبة الذي اختاره قائدنا حفظه الله؛ لتحقيق غاياته السامية، وانتشال التعليم من سد الحاجة إلى ترف الوفرة، ووضعه أمام مستجدات الاتصال والمعارف والعلوم والثقافات.
كيف لوزارة التربية خلال خمس سنوات مقبلة أن ترتفع بمستوى كثيرين (ولا أقول الكل) من المعلمين الذين يلقنون الطلبة معلومات خاطئة؛ نتيجة لضعفهم العلمي ولخوائهم الثقافي ولسوء تحصيلهم في مراحلهم الدراسية السابقة، وهو ما يلحظه المتابع لكلمة تلقى أو خطاب يكتب أو سؤال يوجه أو اختبار يجرى لطبقة كبيرة من شبابنا اليوم؛ وهو ما يعانيه أساتذة الجامعات مع طلابهم.
يحتاج المعلمون إلى دورات علمية متواصلة في الداخل والخارج، وإلى حثهم على مواصلة دراساتهم العليا وتشجيعهم على ذلك؛ لا الوقوف في وجه المتطلعين منهم إلى الدراسات العليا -كما كان الأمر في سنوات طويلة مريرة- عانى فيها المعلمون من قسوة الأوامر المتشددة التي تضع حواجز عالية تحول بين المعلم وتحقيق طموحاته العلمية العليا.
وكيف للوزارة أن تتخلص من دكاكين التعليم التجاري التي تنتشر في كل شارع وزقاق، وتتكاثر في أحيائنا كالفطر، هذه الدكاكين تحشر الطلاب أو الطالبات في فلل بنيت لسكن عائلة من عشرة أفراد على الأكثر لا من طلاب أو طالبات يتجاوز عددهم مائتين أو ثلاثمائة!
ولا عجب هنا فالتاجر يسعى إلى الانخراط في التجارة التعليمية وعينه على الربح السريع لا على الناتج العلمي أو التربوي؛ فيسخر ذكاءه التجاري لتوفير أكبر قدر من النفقات في مستوى المعلمين ورواتبهم وسعة المبنى ورقي مرافقه ورداءة وسائل النقل وقدمها وعدم صيانتها، ثم يُعمل منشاره ليأكل في الاتجاهين؛ من الوزارة حيث تخصص له إعانة سنوية مقطوعة؛ رغبة منها في أن يحمل عنها شيئا من مسئولياتها الثقيلة، ومن المواطن الذي يطمح إلى تعليم أبنائه؛ ولكنه قد لا يجد المدرسة الحكومية القريبة أو قد يجدها مكتظة أو قديمة متهالكة؛ فيلجأ مضطرا لا مختارا إلى إحدى المدارس الخاصة مكرها على تخصيص مبلغ من دخله الشهري المنهوب بين دكاكين التعليم ودكاكين الصحة وفواتير الخدمات وغيرها من ضرورات الحياة اليومية! وكان الأولى أن تتولى وزارة التربية والتعليم المسئولية التعليمية كاملة ولا تفرط فيها أو تدعها عرضة للاتجار والتكسب؛ فهي لن تستطيع مهما حاولت مراقبة تجار التعليم رقابة دقيقة، ولن تتمكن من التعرف على الاتجاهات الفكرية للمنشآت التعليمية التجارية، وهذه المسألة على الأخص هي أهم ما تنهض به الوزارة؛ حماية للأجيال من استقطابهم إلى نحل وتيارات لا تتفق مع نهج بلادنا الإسلامي المعتدل.
وقد كفل النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ حق المواطن في التعليم المجاني، ولم تبخل الدولة -وفقها الله- في النهوض بهذه المسئولية الجسيمة طوال تاريخها المجيد؛ فأنشأت المدارس والمعاهد والجامعات على اختلاف مستوياتها وتعدد اهتماماتها، وهاهي تبعث عشرات الآلاف من أبنائها إلى بلدان العالم المتقدمة لاكتساب المعرفة والعلم؛ فما الذي دفع وزارة التربية والتعليم خلال العقود القليلة الماضية إلى أن تتنازل عن كثير من مهامها وتسلمها لتجار التعليم ومتكسبيه أو الطامحين إلى تحقيق أجندات خاصة؟!
إن على الوزارة في مرحلتها الجديدة أن تستعيد مهمتها الأولى الرئيسة؛ فتنشط في بناء المدارس على أرقى مستوى، وتوفر فيها ما يلزمها؛ كالحواسب والمكتبات والنقل وغيره؛ عليها أن تفعل ذلك بوتيرة سريعة لتضيق على المتكسبين بالتعليم حتى لا نجد في أحيائنا دكانا مما يسمى بالمدارس الخاصة!
والأصل أن المدارس والجامعات ليست خاصة ولا لأبناء الذوات أو الأغنياء؛ بل هي عامة لكل المواطنين على اختلاف طبقاتهم، فالتعليم حق يكفله دستور الدولة لكل المواطنين؛ وإذا لم تستطع الوزارة النهوض به؛ فإن هذا عجز كبير منها عن النهوض بواجباتها لا بد أن تساءل عنه.