قبل مغيب شمس يوم ثلاثاء كنت مع أحد أصحابي الكرماء (الشيخ محمد البرية وفقه الله) نمشي في سِككِ وساباطات بلدتي (العطار بسدير) وبين مزارع أهلنا نشم عبق التاريخ, ونستمخ الذكريات، إذ خرجنا من إحدى الطرقات على الجامع (جامع العطار) الذي كان منارة علم في أزمنة مضت, فولجنا إلى خلوته فإذا مر السنين أثر في جنباتها، والغبار قد تراكم بعضه على بعض، ووجدنا حُصراً كثيرة كان أجدادنا يصلون عليها, ووجدنا كراتين كثيرة أكثرها فارغ, وبعضها قد ملئ من المصاحف القديمة بأحجام مختلفة, وبعض تلك المصاحف يأسرك منظرها وجمال تجليدها مع ما علاها من غبار, ووجدنا بين تلك المصاحف كتباً قديمة مر على بعضها أكثر من مائة سنة, منها: كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد الجزء الأول والثاني, لابن القيم رحمه الله, طبع بالمطبعة الميمنية بمصر كتب على الجزء الأول: (بسم الله الرحمن الرحيم قد وقف هذا الكتاب إبراهيم بن عبدالرحمن الحمد على طلبة العلم في بلد العطار من بلدان سدير، وشرط الواقف أن تكون نظارة هذا الكتاب لإمام مسجد الجمعة وألا يمنع من ينتفع به من طلبة العلم في 5-8-1336هـ).
وهذا أمارة على وجود طلاب العلم في تلك الفترة في العطار, فجعْلُ بعض الكتب وقفاً على طلاب العلم بعد امتلاكها في تلك البلدة أمارة على وجودهم.
ومن الكتب التي وجدناها: جامع الترمذي الجزء الأول والثاني, وقد كُتب عليهما (وقف لله تعالى فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه لا يباع ولا يشترى، للعطار).
ومما وجدناه أيضاً: مجموعة التوحيد. (من تأليف الإمام ابن تيمية, والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله) عليها ختم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن شايع من المنيعات من تميم (ت/1361هـ), وقد كُتب على الغلاف من الداخل في أول الكتاب وآخره كتابة مطولة مأخوذة من تفسير ابن كثير.
وكذلك وجدنا: مجموعة شروح ورسائل في مجلد.طبعت في مطبع الأنصاري في بلدة الدِّهلي المحمية, وكذلك مجموعة التوحيد النجدية, طبعت في عام 1346هـ، مطبعة المنار بمصر.
ووجدنا كذلك: كتاب الأسنة الحداد في رد شبهات علوي الحداد. تأليف الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله. طبع في المطبعة المصطفوية بمبي في الهند.
وكتاب البيان المبدي لشناعة القول المجدي. تأليف الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله. مكتوب على غلافه: (من إبراهيم بن عبدالعزيز بن صفران إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم الأحشم الأشيم المكرم الأخ..) ويا للأسف لم يُكتب بعد الأخ شيئاً!
ومن غرائب ما وجدناه مخطوطة داخل كتاب من تلك الكتب! كتبها الشيخ محمد بن عبدالله بن إسماعيل رحمه الله (ت/ 1347هـ وقيل: 1345هـ) لأخيه الشيخ عثمان بن عبدالله بن عمر رحمه الله (ت/ 1373هـ تقريباً وقيل قبل ذلك) الذي تولى إمام جامع العطار عشرات السنين من سنة 1318هـ إلى 1369هـ تقريباً, وهذه المخطوطة: منظومة نظمها الشيخ العالم حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله (ت/ 1277هـ), قاضي بالرياض للإمام فيصل بن تركي رحمه الله, وهي منظومة كثيرة الفائدة, موضوعها في التوحيد وما يتعلق به, وقد ذكر ناظمها رحمه الله جملة كبيرة من أسماء الله «عزَّ وجلَّ» مبيناً معناها،كما أشار في أبيات من منظومته لمعتقد أهل السنة والجماعة في صفات الله من إثبات لعلوه واستوائه على عرشه سبحانه وتعالى.
تقع في 196 بيتاً كما أنه «رحمه الله» قد ذكر أفعال بعض الناس وأصنافهم واختلاف أعمالهم فقال عن صنف منهم:
فَمِنْهُم مُنِيْبٌ مُسْتَجِيْبٌ لِرَبِهِ... صَبُورٌ عَلَى الضَّرا لَهَا يَتَحَمَّلُ
وفي الناسِ أَهلُ الصِّدق والبرِّ والوَفَا... وَللعدْلِ أَهْلٌ يَعْدِلُونَ إِذَا وَلُوا
وقال عن صنف آخر:
وفي النَّاسِ من يبذُل لِدنياهُ دِينهُ... ويرضَى بِذا عن ذَا بَديلاً مبدِّلُ
وَفِي النَّاسِ من ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ... وَيَنْشُرُ أَعَذارًا بها يَتَأوَّلُ
وفي الناسِ من بِالكِبرِ يَسْتَحْقِرُ الوَرَى... وَيَطغَى إِن اسْتَغْنَى إِذَا يَتَموَّلُ
ثم بعد ذلك جعل جملة من أبيات المنظومة في التذكير بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا الفانية, فعرض لذكر الموت ثم البعث ثم الحشر، وجعل أبياتاً في وصف جهنم والصراط المنصوب عليها ثم ذكر الجنة وما فيها من النعيم العظيم بأبيات تدمع لها العيون وقد استقى ذلك من الكتاب والسنة.
يقول رحمه الله:
وفي البعْثِ بعد الموتِ نشرُ صحائفٍ... وميزانُ قسطٍ طائشٍ أو مُثقلُ
وحشرٌ يَشيبُ الطِّفلُ من عُظْمِ هولهِ... ومنه الجبالُ الراسياتُ تُزلزلُ
ونارٌ تلظَّى في لظاهَا سَلاسلٌ... يُغلُّ بها الفُجَّارُ ثم يُسلسلُوا
شرابُ ذَوي الإِجرامِ فيها حميمُهَا... وَزقُّومُها مَطعومهُم حينَ يَأكلُوا
حميمٌ وغساقٌ وآخرُ مثلهِ... من المهلِ يَغلِي في البُطُونِ ويُشعلُ
عليها صِراطٌ مدحضٌ ومزلَّةٌ... عَليه البَرايَا في القِيامةِ تُحملُ
وقال في صفة الجنة:
وجَناتُ عدنٍ زُخرفتْ ثم أُزلفتْ... لقومٍ على التَّقوى دوامًا تَبتلُوا
بها كل ما تَهوى النُفُوسُ وتَشتهِي... وقرةُ عينٍ ليسَ عنها تَرحلُ
ملابسهم فيها حَريرٌ وسُندسٌ... واستبرقٌ لا يَعتريهِ التَّنحلُ
ومأكُولهم من كل ما يَشتهونَه... ومن سَلسبيلٍ شُربهمُ يتسلسلُ
وأزواجَهم حُورٌ حِسانٌ كَواعِب... على مثل شَكلِ الشَّمس بل هُنَّ أَشكلُ
يُطافُ عليهم بالذي يَشتهُونَه... إذا أَكَلوا نوعًا بآخر بدلُوا
ثم ختم منظومته بالافتقار إلى الله وسؤاله التوفيق والثبات على دين الإسلام.
وقد جاء في آخر المخطوطة ما نصه: (تمت هذه المنظومة العظيمة رحمة الله على ناظمها وأثابه الجنة العالية على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى ربه محمد بن عبدالله بن إسماعيل كتبها لأخيه في الله عثمان بن عبدالله بن علي ابن عمر, وقع الفراغ من تحريرها يوم ثامن من شهر شوال سنة 1336هـ).
وقد منَّ الله علي فحاولتُ جاهداً في ضبطها ونسخها والترجمة لناظمها وناسخها ومن أهديت إليه رحمهم الله جميعاً, وهي الآن مهيأة للنشر تصل إلى المكتبات قريباً بإذن الله.
وخشية على هذه الكتب من التلف كتبتُ خطاباً لإدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة المجمعة التابع لفرع لوزارة الشؤون الإسلامية مقترحاً عليهم اقتراحاً مؤملاً خيراً، وما كتبتُ ذلك إلا للمحافظة على تلك الكتب الموقوف بعضها على طلبة العلم بالعطار.
ومازلتُ منتظراً الجواب, وهم خير معين -بإذن الله- على المحافظة على هذه الكتب التليدة على ما أراد أصحابها.