من أساطير الميثولوجيا الإغريقية حكاية اسمها «صندوق باندورا» التي تحدثت عن الشرور العظيمة التي يحويها الصندوق ولم تغفل الحكاية الثالوث القاتل «الجهل والمرض والفقر».. ويعتبر هذا الثالوث الأكثر تهديداً للمجتمعات والأكثر فتكاً بمستقبل الدول، ولا يمكن أبداً أن تحقق أي حكومة نجاحاً طالما تعاني من هذا الثالوث اللعين، وأضيف إلى الثلاثة «الخوف»، وللأسف يمكننا القول بأن مصر تعاني من الثالوث الخطير ويزيد عليها «الخوف»!
ماذا سيحقق الرئيس القادم لمصر؟ وكيف سيعمل وهو محاط بأسباب الفشل ومؤديات الفوضى! وكيف لا يكون ممسكاً بعصا موسى وينجح في امتحان الشعب الذي زادت الثورية مآسيه، ثار ليغيِّر ولم يتغيّر ولم يغيّر للأفضل، شعب مصر لا ينقصه شيء ليكون أفضل حالاً سوى الصبر، لأن الاستعجال سيدمر الدولة بكل مكوناتها، ولا بد من حلول للمشكلات القاتلة، ولن تتحقق النتائج بين ليلة وضحاها.
ماذا سيفعل الرئيس المنتخب لحل مشكلة الأمية وما ينتج عنها، خصوصاً إذا علمنا بأن نسبة الأمية تتجاوز 40% وهي نسبة مرعبة، ذكرها وزير العدالة الانتقالية في شهر أبريل الماضي، ويُضاف إلى هذه المشكلة أمية المتعلّمين وقلّة المهارة في ظل التدهور الذي يشهده التعليم العام بحسب آراء المراقبين المصريين لشؤون التنمية في بلادهم.
كيف سيعالج مشكلة البطالة التي يقول المحلّلون بأنها جاوزت 25% وهذه نسبة مخيفة ترتبط بشكل أو بآخر بعدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد، وتفاقم مشكلتي «الفقر» و»الخوف»، فالبطالة تنعكس على معدلات الجريمة ومستوى الأمن الاجتماعي، تماماً كما يفعل الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية، والفقر في مصر حكاية مؤلمة سببها في الأساس غياب التخطيط منذ زمن بعيد، ونسبته مرعبة، حيث إن ربع المصريين فقراء، و5% يعيشون في فقر مدقع، وكانت هذه نسبة متفائلة رغم ما تحمله من رعب.
ومن رعب البطالة إلى رعب المرض فإن القطاع الصحي المصري يعاني وهو يواجه ما يتجاوز 20% إصابة بفايروس الكبد (سي) بحسب المؤتمر العالمي msd إضافة إلى الأوبئة وما يتركه التلوث من آثار مدمرة على الصحة، وكذلك الأمراض التي وطنها الفقر وفتكت بالمصريين.
أمام كل هذه التحديات التي يزيدها تعقيداً تزايد عدد السكان، وبذات الوقت انعدام الاستقرار والوئام الاجتماعي إلى حد كبير، يجب أن يعي الرئيس الجديد بأنه يُمسك كرات من لهب، وسط مطالب مجتمعية وطموحات مشروعة، مع محدودية الموارد والنمو البطيء في الاقتصاد، والمشكلة المرعبة في قطاع الطاقة.
ربما طموحات الرئيس المنتخب كبيرة، ولكن الواقع يجب أن يدرسه بعناية، ليحقق ثورة من نوع آخر، تحول الاهتمامات وتغيّر الأولويات، مصر ليست دولة هامشية ولن يستطيع أحد تهميشها أو تحجيمها، مصر بحاجة إلى مصريين يخافون على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
الرئيس الجديد لن يغيِّر كثيراً في الواقع، لكنه إذا نجح في تغيير طريقة التفكير، وأسلوب التعامل مع التحديات ستتغيّر مصر وسيتغيّر المصريون، لو قرأنا المقارنات الاقتصادية والتنموية بين مصر وكوريا الجنوبية، سنعرف جيداً بأن كوريا انتفضت على نفسها وحققت التطور المبهر وبقيت مصر تراوح مكانها، فقط علينا القراءة في الفترة بين 1965 و1995 .
أمام المصريين التحدي الأهم وهو الحفاظ على الدولة، ورغم كل الخيبات هنا وهناك إلا أن الجيش يبقى متماسكاً وقوياً وهذا يبعث الطمأنينة ولو مؤقتاً.
أعتقد أن أكثر ما يحتاجه الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي بعد الإعلان الرسمي من قبل اللجنة وبعد أداء اليمين الدستورية، أن يشعر بأنه ليس وحيداً في مواجهة التحديات، والصبر سيفتح الفرج بإذن الله.