إن المواقف القيادية هي التي تبرز الرجال وتحدّد شخصياتهم، والرجال كثيرون لكن الذين تتوفر فيهم صفات معينة، تخولهم للقيادة، وتجعلهم يبزّون أقرانهم ويتفوّقون قلّة على غيرهم.
وهؤلاء القلة هم القدوة في القول، والنموذج في العمل، بما لديهم من رجاحة العقل،
وحسن التصرف في المواقف المهمة، فهم الذين تتّحد على أيديهم مصائر أممهم، والجزيرة العربية فيها رجال برزوا وبانت أفعالهم موطن القيادة ومقدمة الجيوش، طوال العمر الزمني لتأريخ الفتوحات الإسلامية.
وهم من الكثرة بحيث ملأوا سمع التاريخ وبصره، طوال عدة قرون أو تزيد، إلا أن الفترة الزمنية التي سنحاول العبور معها واستقراء بعض رجالاتها، واستعراض نماذج قليلة من مواقفهم القيادية، ومكانتهم في مجتمعهم وتكوين أمتهم هي فترة يقظة، في تاريخ وسط الجزيرة، وحركة إصلاحية دينية، قام بها الإمامان: محمد بن سعود، المتوفى عام (1179هـ) ومحمد بن عبدالوهاب، المتوفى عام 1206هـ رحمهما الله، لإنقاذ الناس من الجهالة والخرافات العقائدية تعتبر حركتهما يقظة الجزيرة بأكملها، وتأثر بها كثيرون.
ويعتبر عام 1157هـ بداية جديدة في ذلك التاريخ عندما تصافحت يدا هذين الإمامين وتعاهدا على العمل سوياً من أجل إعلاء كلمة الله، ونصر عقيدة التوحيد، وتصحيح العقائد.
ومن ذلك الوقت برز الإمام محمد بن سعود كقائد ومنظّم للغزوات، ومن غير الملائم استعراض حياة الإمام محمد والشيخ محمد، لأن مسيرة الدعوة مرصودة لمن يريدها لكن المهم بروز الإمام محمد بن سعود كقائد ومنظم للغزوات، كما أنه من غير الملائم استعراض حياة بعض القادة في تلك الجيوش التي وصل إلينا علمها وأخبار قادتها الذين على أيديهم اتسعت الحدود، مع قلّة ما كُتِب في تاريخ هذه الحقبة.. لأنها لا تستسقي أخبارها إلا من طريقين: المصدر الأول هو تاريخ ابن غنام المتوفى عام 1225هـ، الذي عاصر بداية مسيرة هذه الحقبة، وكما عاصر المسيرة، وقد طُبع تاريخه أكثر من مرة، وعاصر تلك الأحداث وكتب عنها من واقع مشاهداته في معلومات مختصرة وبأسلوب مسجوع.
وقد حققه في طبعة أخرى ونقحه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ- رحمه الله-، ثم خلف ابن غنام الشيخ عثمان بن بشر المتوفى عام 1290هـ، حيث عاصر الفترة الثانية وينسبُ إليه كثير من الكاتبين عن هذه الحقبة إليهما ما بين مقلّ ومكثر، وناقل عن غيره داخلياً وخارجياً.
ولن نستنقص ما كتب الكاتبون في هذا الشأن.. ولكن يكفي للجميع مقولة الجاحظ للأول فضل السبق وللآخر فضل الإجادة والزيادة.
فابن بشر ومن كتب في هذا التاريخ فلهم فضل الإجادة والزيادة والخلوّ من السجع الممل.
وابن غنام له فضل بما شاهد مع الاختصار، وابن بشر معلوماته مختصرة ولكنها عن مشاهدة ويعتبر عن الفترة الثانية، ولذا يعتبر ما رصد في تاريخ نجد عالة عليهما ومن نحا منهجهما، وقول الجاحظ لا يبقى على إطلاقه لأن هذا القول مثل قول أبي الطيب المتنبي العربي الذي سبقه وهو أبو العلاء المعري، في مفهوم هذا البيت:
فإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
فقد قيل: إن أبا العلاء جاء إليه غلام: فقال: الأوائل جعلوا حروف الهجاء 28، فزدها واحداً، فردّ عليه بقوله هذا الغلام يقتله ذكاؤه فمات بعد أسبوع إن صحت الرواية.
وعلى الرغم مما قالوا: فنقول: إنه من غير الملائم المرور بأولئك القادة دون أن يجعل في المقدمة إشادة، عن أهمية الإشادة بأربعة كان لكل منهم دور قياديّ في دور تاريخ الحكم السعودي، بل يصحّ أن نعتبرهم قادة، في المقدمة لنشر الدعوة السلفية لكل واحد منهم دور وفي المقدمة، وكلهم قادوا الجيوش الأولى، فكان لكل منهم دوركبير لأمتهم ما رسوا القيادة، أولهم: الإمام محمد بن سعود ثم ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، ثم الإمام سعود بن عبدالعزيز ثم ابنه عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز، فكان كل واحد من هؤلاء الأربعة مكانة في تجهيز الجيوش بنفسه ويقف على مقدرتها ثم يسيرها ويقود بعضها بنفسه في حملات يتّسع مداها وبعدها حسب الوقت والزمن اللذين هيئا لها، والفئة التي تقف دونهم مسترشدين في مسيرتهم بالمنهج الإسلامي الأول: قدوة في الدعوة، واقتداء في العمل بالمسيرة الأولى في صدر الإسلام، وموجهين للقيادة في مسيرتهم للأماكن البعيدة بعدما اتسعت الدائرة، ولقد حققوا نتائج في سياستهم الرشيدة: قدوة في الدعوة بالمسيرة الأولى، فاتسعت الدائرة بازدياد المستجيبين للدعوة، المنضوين تحت لوائها: إنه الإمام محمد بن سعود: رغم أن الحديث عنه، وعن الأئمة في الدولة السعودية الأولى، إلا أن الإمام محمد بن سعود الذي لم يتضح ميلاده، ولكن أعماله برزت.