«مفتاح أبو زيد» صحافي ليبي، قام المتأسلمون قبل أيام باغتياله في بنغازي في ليبيا بدم بارد، والسبب لأنه يختلف معهم فكريًّا في أطروحاته.
مات ابوزيد، وانتقل إلى رحمة الله تعالى، في حين أن من قتلوه (غيلة)، لم يفضحوا أنفسهم، وأنّهم أعجز من أن يتحمّلوا الاختلاف فحسب، وإنما كشفوا عن أن (الجماعات المتأسلمة) أعجز من أن يواجهوا الكلمة، ويتحمّلوا النقد، ويتعاملوا مع من يختلف معهم بالحجة؛ فهم بفعلتهم تلك يُعلنونها على رؤوس الأشهاد، ويعلنها أنصارهم ومؤيدوهم أيضًا: من يختلف معنا فإنّ مصيره القتل؛ ولا حرية إلا ما نراه نحن حرية، وكل من رأى غير رأينا، فنحن له ولحياته بالمرصاد.
تسأل: ولماذا قتلتموه؟.. فيتقدم رجل أشعث، قادم من أدغال تاريخ ا(لأزارقة)، ويقول: لأنّه خبيث كافر، أو أنّه خبيث مرتد؛ وكلاهما في معاييرنا (كافر حلال الدم)، ومن أراد أن يتقرب إلى الله، ويظفر بمرضاته، فيسعى لإراقة دمه!
القتل والاغتيالات، وكذلك تحريض الغوغاء والجهلة والمأزومين نفسيًّا على القتل وجز الرؤوس وإراقة الدماء، عرفتها أوروبا في العصور المظلمة، واستمرت هذه الظاهرة حتَّى قُبيل عصر النهضة؛ كما عرفت أيْضًا التنازع الطائفي؛ فهذه الطائفة أو الفرقة تحتكر المسيحية الحقّة، وبالتالي فإنَّ جميع الطوائف والفرق الأخرى زائغة عن الحق، ولأنها زائغة عن الدين الصحيح، فيجب أن يُحاربوا ويقتلوا ويجتثوا، ليسلم المؤمنون المسيحيون من هرطقتهم، وصكوك الغفران من رهبان الكنيسة (الكاثوليكية) تنتظرهم، ليغفر الله لهم جميع خطاياهم، ويدخلون الجنة.
هذا المنطق الخارج من الكهنوتية المسيحية قبل أن يَتمَّ تحييدها، حَصدَ من طائفة الكاثوليك والبروتستانت معًا -(الطائفتان الرئيستان في الديانة المسيحية) - عشرات الملايين من البشر على مدى عقود، والنتيجة بقيت طائفة الكاثوليك، وبقيت أيْضًا طائفة البروتستانت، ولم تجتث أحدها الأخرى كما كانوا يأملون؛ فعرفوا بعد هذه الدماء التي لوّثت تاريخهم حقيقة مؤداها (أن التعايش رغم الاختلاف هو أس السلام وتنمية المجتمعات)، أو تُصاغ - أحيانًا - في عبارة أخرى تقول: (عش أنت بقناعاتك ودع غيرك يعيش بقناعاته، لتبنوا مجتمع الرفاهية)؛ وكانت هذه المقولة (تأسيسية) لعصر النهضة فيما بعد، أو أنها كانت بمثابة حجر الزاوية الذي اتكأ عليه التفوق النهضوي الذي يعيشه الغرب الآن؛ فجالت مركباتهم الفضائية بين الكواكب، وها هم يُفكرون الآن باستيطان المريخ!
يسألني أحدهم: ألا تخاف من أن يكون مصيرك مثل مصير هذا الصحفي الليبي، والتهديدات بالقتل، يُشارك فيها (علنًا) حتّى أكاديمييكم؟
أقولها بملء فمي: نعم أخاف، وأخشى أن أكون ضحية لهؤلاء الهمجيين يومًا ما، ولن أُمثل دور (الشجاع) وأقول: لا، فحياة الإنسان أغلى ما يملك. ولن يُفرط فيها إلا مجنون أو انتحاري، ولست أحد هؤلاء.
ولكن لمن ندع وطننا؟.. أندعه لهؤلاء الدمويين الأوباش؟
لذلك أقول: هيبة الدولة، وقوتها، هي الرادع الأول لهؤلاء المتأسلمين القتلة، وإذا غابت الدولة، أو اهتزت هيبتها، أو اضطربت، أو استسلمت للضغوط من الداخل أو الخارج، فقل على الأمن والاستقرار السلام؛ وها نحن نراها في ليبيا، وفي سوريا؛ فحين انفرط فيها حبل الأمن، وغابت هيبة الدولة، غزاها المتأسلمون الدمويون من كل حدب وصوب، وانقسم أهلها إلى أربعة أقسام: قسم يُقاتل الغزاة المتأسلمين تارة، ونظامهم الظالم تارة أخرى، وقسم ترتعد فرائصه خوفًا من برميل متفجر يُلقى عليه من السماء، وقسم في القبور، وقسم مُشرد في مخيمات دول الجوار. والعاقل من اتعظ بغيره.
إلى اللقاء.