تستحق قناة «بي بي سي» البريطانية الشكر على الفيلم الوثائقي الذي بثته مؤخرًا تحت عنوان: (السعودية: الحراك السري) لما تسميه ثورة في منطقتي القطيف والعوامية بدأت قبل ثلاث سنوات.
هذا الفيلم ليس الأول الذي أجهضت فيه هذه القناة العريقة مِهنيتها، وقد كتبت في أوج فترة الأعمال التخريبية في البحرين عن مفاجأة سقوط القناة في تغطياتها غير الحيادية لتلك الأحداث، لذا لم تعد تقاريرها وأفلامها الوثائقية تُمثل عدم حياديتها أي مفاجأة بالنسبة لي، ولكونها لم تعد قناة محترمة في نظري فقد رفضت دعوتها الموجهة لي قبل أقل من شهر للتسجيل معهم في أول حلقة لبرنامج جديد يستضيف في كل مرة أربع نساء ناشطات وإعلاميات من العالم العربي، وبرغم أن العرض مغرٍ والتصوير في بيروت الجميلة، لكنني شخصيًا لا أخرج في قناة إلا وأنا مُشبعة بإحساس الاحترام تجاهها.
الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة عن مجموعة من المخربين في منطقتي القطيف والعوامية، وتسميهم نشطاء، هم في الأساس مغضوب عليهم من أهاليهم وسكان مناطقهم قبل أن يكون مغضوبًا عليهم من الشعب السعودي بكل مكوناته، الذي يرفض «الإرهاب» أيًا كان شكله وتحت أي صيغة يظهر، وقد أدان الفيلم الوثائقي نفسه بنفسه، فقد صوّر مشكورًا من يسميهم «نشطاء» يرفعون راية «السلمية» وهم يحملون بأيديهم القنابل التي يلقون بها على سيارات الشرطة ورجال الأمن.. فأي حِراك سلمي وأي مطالب شرعية ترفع راية (الموت) الذي تطالب به وظهر واضحًا جليًا عبر الفيلم؟!
ميزة هذا الفيلم أنه صوّر أوضاعًا حقيقية، جعل كثيرا من المتعاطفين مع ذلك الحِراك التخريبي يغير رأيه حولهم ويرى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم منذ ثلاث سنوات وإلى اليوم، إن الهدف من التخريب ليس حقوقاً مفقودة ولا مطالب مشروعة، إنما الهدف هو الموت لا غيره كما يردده نشطاء فيلم البي بي سي.
الحِراك السلمي لا يقف إلا على أرضية بيضاء نقيّة، والنشطاء هم رسل سلام في العالم، يكرهون الدماء ويرفضون الموت والخراب والتدمير، يبحثون عن الحق متجردين من المصلحة والمنافع الشخصية، أما ما حدث في القطيف والعوامية فكان بمثابة كابوس إرهابي مخيف، بشهادة أهل المنطقة وكتابها ومثقفيها الشجعان، الذين وقفوا ضد هذه الأعمال المخيفة ورفضوا تصنيفها بالشكل الذي تحايلت فيه القناة وفيلمها الوثائقي، لأن الأمور لا بد أن تُسمى بأسمائها، والإرهاب بكل أوصافه مُتعارف عليه عالميًا ومحليًا، ولا يُمكن أبدًا القبول بأن الأعمال الإجرامية التي يقوم بها السنة هي التي تُسمى إرهابا، والأعمال الإجرامية التي يرتكبها الشيعة تُسمى مطالب وحقوقا، لأن رفض الدمار والتخريب يجب أن يكون رفضًا كاملاً لا يعتمد أو يتجزأ على حسب الجنس أو الدين أو الطائفة.
المعايير التي تتبعها السعودية في مكافحة الإرهاب، أصبحت مقاييس دولية، وإلى وقت قريب لم تكن تُسمي وزارة الداخلية أعمال الشغب في المنطقة الشرقية بأعمال إرهابية، كدليل على سعة بال الجهات الأمنية في التعامل مع حساسية هذه المنطقة. رفضي لمثل هذه الأعمال لا ينظر إلى دين أو مذهب، إنما هو رفض للفعل ذاته، لذا من حقي وغيري أن نقول شكرًا قناة بي بي سي!