لا يُوجد أحدٌ لم يتضرر أو ينتبه؛ إلى منظومة من هياكل السيارات المهشمة الخربة؛ التي تشغل حيزاً كبيراً في الميادين العامة، وعلى الأرصفة، وجوانب الشوارع، وحواف الطرق في كافة المدن.
هذه ظاهرة سلبية للغاية، فهي لم تقتصر على التشويه البصري للمدن فحسب، وإنما تعدى الأمر إلى الإضرار البيئي، الذي تتسبب فيه هذه الهياكل المهملة، والخُرد المنسية، فهي تتحول مع مرور الأيام، إلى «مرامي» للأزبال، «ومآوي» للقطط والكلاب، ومرتعاً لشتى أنواع الحشرات.
هناك أضرار أُخر تلحق بالسكان في الأحياء جراء ذلك، أولئك الذين يكتشفون فجأة، أن دُورهم محاصرة بسيارات قديمة، جُلّها مهشّمة، مهدّمة، مصدّمة، معدّمة، مخلّعة الأبواب والمصابيح، تقف على (الجنوط)، وتظل مرمية دون رقيب ولا حسيب لأشهر وسنوات، وتزداد طينتها بلّة، إذا كانت تحمل لوحات سير مرور، فهنا يصل خطرها إلى جوانب أمنية وخلافه، فمن المسئول عن هذه الظاهرة السلبية العجيبة، التي لم أرها إلا في بلادنا..؟!
هل مرّ أحدكم بتجربة مع هياكل سيارات مهملة، تحيط بداره، وتشغل مواقف سيارات هو وجيرانه أولى بها، وتسد عليه منافذ الدخول والخروج في بعض الأحيان..؟!
عشت أنا هذه التجربة مرات عدة في الطائف وفي جدة، وحاولت حلها في جدة تحديداً مع مسئولي الأمانة، ومع مرور جدة، فلم أنجح، ولم ينجح غيري ممن واجهوا ويواجهون هذه المعضلة، فالأمانات والبلديات تخلي مسئوليتها وترميها على المرور، والمرور يعتقد أنها من شأن البلديات، وأصحاب الورش داخل الأحياء؛ الذين يتعمدون رمي التالف مما يأتيهم من سيارات بطرق عشوائية، مسنودين على ظهور من يوفر لهم الشغل في هذه الورش من المتنفذين عادة..! والمواطنون حائرون بين البلديات والمرور وهذه القوى الخفية، والأمر يزداد سوءاً، لأن المتروك من السيارات الخربة والقديمة، يملأ الشوارع، ويسد المنافذ، ويشوه المدن، ويضر بصحة البيئة، ويشغل حيازات لمواقف سيارات من هم في حاجة إليها.
كيف نشأت هذه الظاهرة عندنا..؟ وهي غير مشاهدة عند الغير..؟
إذا وقف أحدكم على حراج السيارات، سوف يجد سيارات تُباع بأثمان رخيصة بخيسة، قد لا يتجاوز بعضها الخمسة آلاف وحتى الألف أحياناً، إضافة إلى أنه ليس عندنا نظام مروري يحدد سقفاً لموديلات السيارات المسموح لها بالسير، ولا يُسأل أصحاب السيارات المصدّمة في الشوارع، أو يُكلفون بإصلاح سياراتهم، التي نرى البعض منها يسير بدون صدامات، ولا حتى رفارف، ولا أنوار، فنحن أمام موديلات جديدة وقديمة، وحتى قديمة جداً، وأخرى لا تساوي ثمن العجلات التي تحملها، فإذا تعطلت ووقفت، تخلص منها صاحبها بجوار أقرب رصيف، بدون مسئولية ولا مبالاة لما قام به من فعل مشين، لأن أقل إصلاح فيها، ربما فاق قيمتها في السوق، ولأن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، حتى في الحديد..!
هذا الوضع المزري؛ يأخذني إلى سؤال لم أجد له إجابة منذ مدة طويلة: هل أصبحنا نتعامل مع إدارات مرور وأمانات وبلديات لا هيبة لها في نطاقات عملها في المدن..؟!
) يحدثني صديق يسكن على شارع رئيسي في جدة قال: في مواجهة دارنا تقوم عدة ورش للسيارات تستقبل عشرات السيارات المعطلة، ولأنه ليس لديها مواقف بجوارها، فهي تضطر لرميها على أبوابنا، وتظل أشهراً وسنوات هكذا بدون تحريك، فلا عمال الورش يحركونها، ولا أصحابها يسألون عنها فيما يبدو أنه لم تعد ذات قيمة عندهم، وإذا شكونا حالنا لعمال الورش تنصلوا من المسئولية وقالوا إنهم سوف يهاتفون أصحابها، وهذا لا يحدث. وإذا شكونا حالنا إلى الأمانة، أتى مندوب وتحادث مع عمال الورش ثم اختفى من الموقع، وإذا تهاتفنا مع إدارة المرور قالوا: هذا الأمر يخص أمانة جدة..! وهكذا.. بين «حانا ومانا ضاعت لحانا» كما يقول المثل.. بل ضاعت راحتنا، وتشوهت مداخل دورنا، وصرنا نبحث عن مواقف لسياراتنا في شوارع بعيدة عنا، حتى أصبح الصدام مع الآخرين في هذه الشوارع على المواقف؛ ظاهرة يومية لعدم أحقيتنا في هذه المواقف..!
بودي أن يكون للأمانات والبلديات دور فاعل في تنظيف الشوارع والميادين من هذه الهياكل، وللمرور كذلك، فلا يسمح لسيارات قديمة الصنع وخربة، تسير في الشوارع، وتعرّض أرواح الناس للخطر، لأنها في آخر المطاف، سوف ترمى وتركن وتترك في طرف شارع، وتلحق الأذى بالناس والبيئة على حد سواء..
من المسئول..؟ البلديات أم المرور..؟!
لست أدري..!