- الحمد لله الذي وفق ولي أمرنا لما فيه الخير، ونسأله سبحانه أن يجمع القلوب على يديه ، والصلاة والسلام على من جمع الله به بعد فرقة، وألّف بعد اختلاف، ووحّد بعد شتات، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وبعد:
فإن الراصد لمواقف هذا الوطن الغالي، والمحور المهم في الواقع الغربي والدولي المملكة العربية السعودية من الأحداث والتحولات التي تمر بالمنطقة العربية خصوصاً والعالم أجمع يظهر له بجلاء أن الله جل وعلا من علينا بمنن عظيمة، وآلاء جسيمة فيما يخدم ثوابت هذه الدولة ويحقق لها التوازن والتأثير بحكم مركزها العالمي، ولذلك فينظر إليها في كل ما يطرأ من نوازل وأحداث على أنها القوة المؤثرة، وتتجه القلوب والأفئدة إليها، ويحبس المسلمون أنفاسهم انتظاراً لمواقف المملكة, وهذا ما درجت عليه منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس المجاهد الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود غفر الله له وطيب ثراه. وهي مهبط الوحي، ومهوى الأفئدة، ومتطلع المسلمين في شتى أقطار الأرض، واستمر هذا التأثير ينمو ويتفاعل ويقوى في كل قضايا المسلمين بل والقضايا العالمية، والمملكة ترمي بثقلها فيما يحقق الأمن والسلام العالميين، ويوصل أطراف النزاع إلى بر السلام والأمان، وفي هذا العهد الميمون الذي امتن الله علينا فيه بإمام فذ، ووال عادل, وحاكم حكيم بل هو عراب الحكمة ورائدها رأينا في عهده الميمون المبادرات العالمية، والإسهامات النوعية التي صارت تطرح منطلقاً للأعمال الدولية، وأصبحت الدول العظمى تحسب لموقف مملكتنا الغالية بقيادته وحكمته، وتنظر إلى ما ينسجم مع ذلك، وهذا شأن برز في المبادرات التي أطلقها للحوار بين أتباع الديانات، والحوار المذهبي، والحوار الداخلي، وفي دعم كل قضية للعرب والمسلمين، في شتى الأقطار العربية والعالمية، وهاهو موقفها من أرض الكنانة، ومهد العروبة مصر الحضارة والتأريخ شاهد على هذه القوة والتأثير، فمنذ التحولات والأحداث التي قدر الله أن تحل بها وهي أمور أرادها الله، ولا راد لقضائه، ولا مبدل لكلماته، وله فيها الحكمة البالغة، والحكم التام، لا معقب لحكمه، ولا مانع لما أراده، ونظرنا كمسلمين وعرب إلى مثل هذه الحوادث والفتن يتم من خلال القدر والشرع، فنسلم لما قضاه الله وقدره، ونؤمن بأن ذلك واقع بمشيئته وقدره، ونتصرف في هذه الظروف وفق شرع الله الذي بين لنا ما يجب علينا في كل الأحوال، وأوضح لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم المحجة، وتركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وكذلك ولاة أمرنا وعلى رأسهم ملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين يرون أن مسؤوليتهم كبيرة في ذلك، فالتفاعل مع تلك الأحداث بما لايشكل تدخلاًيشؤونها وأحوالها، وإنما يدعم المواقف التي تراعي الأبعاد المختلفة هو ما رآه ولاة أمرنا وواجبنا تجاه هذه المواقف العظيمة والساعات الفاصلة أن نقوم بما جعله الله مخرجًا لنا من الفتن، ونجاة لنا من السقوط فيها، وعاصمًا لنا من الزلل، ومحققًا لمقاصد الشرع في الجماعة والإمامة التي هي الهوية المميزة لأي أمة ووطن، نجتمع عليها، ونعتقد ما يجب علينا من حقوق فيها، وما تقتضيه صورتها المتمثلة في بيعة الرعية لإمامهم وولي أمرهم من حقوق وواجبات، وهذا المبدأ الرئيس والعقيدة الراسخة التي سار عليها سلف هذه الأمة، وحققوها في عصورهم، فكتب الله لهم النجاة والاجتماع والسلامة من كل ما حلّ بهم من فتن، هي حبل النجاة لنا في مثل هذه الظروف، كيف لا وهي وصية أنصح الخلق وأفصحهم وأشدهم رحمة وشفقة على أمته، حينما ذكر الفتن والمتغيرات والاختلاف بيّن ما الذي يعصم منه، فقال في وصيته وصية المودع: «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد»، وقال في حديث الفتن: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، ومن هنا فنحن مأمورون بالتمسك بهذا الأصل والتكاتف عليه، والتوحد خلف من ولاهم الله أمرنا فيما يتعلق بالجبهة الداخلية التي إذا ماكانت على المثالية في الاتفاق واللحمة الوطنية كان عائدا ذلك إلى المواقف الدولية، والمظهر الخارجي فيما يتخذه ولي الأمر من مواقف ومبادرات، وإسهامات يجد أن قاعدته الشعبية هي الصورة المثالية التي يستمد فيها بعد الله جل وعلا قوته في تلك المواقف، وهذا شأن يجب علينا في كل وقت، ولاسيما عند ظهور هذه الأزمات والمحن، سواء في الشأن الداخلي، أو الشأن الدولي، أخذًا بالتوجيه القرآني: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، ووالله لن تسلم الأمة ويسلم لها دينها إلا إذا أخذت بهذا الحبل المتين، والنهج القويم، وما زل من زل إلا بالخروج على هذا الصراط السوي، والاجتهادات والمواقف التي ينفرد بها عن الأمة يقال ذلك في ظل ما أشرنا إليه من ظروف مرت ببلاد مختلفة ومنها مصر الإسلام والعروبة ، وحاول من خرج عن منهج الله أن يجر هذه البلاد إلى المشاركة فيها بالعواطف، بل ويسعى جاهدًا لإدخال هذه البلاد المباركة -حماها الله- في أتون هذه الفتن، ويؤثر على الشباب بالعواطف والغير الفائرة، والحماسات الفطة، والتأثير بالوسائل التي أصبحت بسبب استخدامها في جانبها السلبي مفاتيح للفتن، من شبكات ووسائط وغيرها، ولا يخفى أن تلكم المواقف شذوذات، فالسواد الأعظم وفي مقدمتهم العلماء والأمراء والمسئولون يقفون مع ولي الأمر فيما يتخذه من مواقف، ولقد كان ذلك في فترة سابقة حينما وقفت المملكة مع مصر العروبة والإسلام إبان التحولات والفتن التي ضربتها، وهاهي تكمل مسيرتها بما ظهر أخيرا من وقفة مشهودة تمثل القوة والعزة، والنخوة العربية المعهودة، من مليك الحكمة والإنسانية، رجل المواقف الاستثنائية، حينما اجتمعت الكلمة وانتهت الإجراءات الانتخابية بفوز ساحق لفخامة الفريق عبدالفتاح السيسي ليصله مليكنا بتهنئة عميقة لم تكن مجرد تهنئة، وإنما كانت كلمة ضافية نابعة من قلب حكيم العرب يشيد بها بما حصل في هذا اليوم التأريخي الذي ينهي فترة من الفوضى التي أثارها من يريدون بالأمة العربية والإسلامية من السوء والفرقة والتناحر, ومزيد من الانقسامات بصورة لاتخدم إلا الأعداء، ترسم مستقبلا واعداً، وغداً مشرقاً لمصر العروبة والإسلام، بقيادة من اختاره الشعب، ووضعوا ثقتهم فيه، واتفقت كلمتهم عليه في موقف يحكي معاناة هذا الشعب الأبي من تلكم الجماعات والأحزاب التي تستخدم الإسلام وسيلة للوصول إلى مآرب ومقاصد حزبية، واستيعاب هذا الشعب لهذا الدرس، وصولاً إلى اتفاق واجتماع يواجه هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، فيكمل المشهد الملك الإنسان، والقائد الفذ، ورجل الحكمة والمواقف السديدة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بوقفته التي لاتستغرب والتي سطرها بقلبه قبل قلمه في تلكم الكلمة الضافية التي تفيض حرقةً على واقع أمة العرب والإسلام، وتمتلئ حكمة وحصافة، وتستشرف غداً مليئاً بالمفاجآت السارة في ظل دعم وتعاون وتواصل بين القائدين المباركين، وتفهم ووعي كامل بالأبعاد المختلفة بين شعب البلدين الشقيقين، لتكون هذه الكلمة وثيقة للتأريخ, ولتبقى شاهد حق، ودليل صدق، على أن هذه البلاد محفوظة بحفظ الله، وأن الله هيّأ لها قيادة راشدة، لا تخرج في تصرفاتها ومواقفها وأحوالها وتحولاتها وعلاقاتها عمّا جاء في الكتاب والسنة على نهج سلف الأمة برؤية وسطية، وبفهم شمولي، ينتظم مقاصد الشريعة وقواعدها، يؤسس لعلاقات مثالية، تقوم على رؤية واضحة، واستشراف لمستقبل واعد، وأمل مشرق، وسياسة لا تتحول، تتماشى مع الرؤية الدولية وتحترم القوانين، ولا تتدخل في الؤوالداخلية لأي بلد، ولكنها في ذات الوقت تخدم استقراره وأمنه ووحدته بما حباها الله من مكانة وقوة دولية وإقليمية، وهذا ما سيخلده التأريخ تجاه قضية مصر في خضم الفتن والانقسامات، وفورة الأحداث وتسلط الأحزاب المنحرفة، وعلى رأسها جماعة متطرفة لم يمر على تأريخ الجماعات جماعة أضرّ على الإسلام منهم، في التأليب والإثارة، وتوظيف الغير فيما يحقق أهدافهم ولو بالتحالف مع أعداء الإسلام، وقد كان هذا موقف المملكة في السابق ولايزال من هذه الجماعة ومن الأحداث في مصر، ولكنه جاء متفردًا متميزًا في المواقف الأخيرة وفي هذه الرسالة التأريخية التي أرسلها إمامنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -بمناسبة الفوز الذي أشرنا إليه، لتقطع الطريق على المزايدين والمشككين، وتظهر المشاعر الصادقة والحرص الكبير، والوعي الكامل بالواقع ومهدداته السياسية والفكرية وتكون تلكم العبارات التي تستحق أن تبرز مضامينها لأنها أصول شرعية ، متضمنة لوقفة واضحة صريحة في وجوه دعاة الفتنة والشر، وخصوصًا الحزبيين الذين كشروا عن نابهم، وأظهروا إفلاسهم, وسعوا لخلق هذه الفوضى ولكنها اصطدمت بالوعي والاجتماع على القيادة، نعم، لقد جاءت هذه الرسالة لتضع النقاط على الحروف، وتنظر إلى واقع الأحداث في مصر الشقيقة، مصر الحضارة والتأريخ، مصر الرجال والمواقف نظرة شمولية، وتظهردعم المملكة بل وإسهامها النوعي تجاه مصر وما تمر به، بما لا يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية، وتكشف أوراق المزايدين والمتاجرين بالمواقف، فأول المعالم أن هذه الرسالة تحمل موقفًا داعمًا لهذه الخطوة بقيادة القائد المنتخب، وهو موقف عظيم يصدر من أكبر وأهم دولة عربية وإسلامية، ومن رجل الحنكة والمواقف الصعبة، خادم الحرمين الشريفين، امتدادًا للمواقف السابقة والوقفات الصادقة مما يحل بمصر وشعبها من فرقة وانقسام، سببه إرهاب داخلي، متمثل في مبادئ وأفكار تلكم الجماعة الحزبية الذين لا يهمهم من يكون الضحية، في سبيل وصولهم إلى مآربهم، ويتهمون غيرهم بالعمالة وهم أول العملاء، وأكبر المتحالفين مع قوى الشر، لأن مبدأهم أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن كل ما يكون من صور الإرهاب يمكن أن تبرر في فكرهم، ومن هنا جاءت كلمة العلماء محذرة من هذه الجماعة التي توظف الدين لخدمة الأهداف السياسية، ويكفينا في بيان خطر هذه الجماعة وما شابهها من التنظيمات وتفعيلها للفتن وما يشق صف المسلمين ما قاله وررهكبار العلماء المحققين الموثوقين ومنهم العلامة أحمد شاكر والشيخ محمد الألباني وسماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين ومعالي الشيخ صالح اللحيدان والشيخ صالح الفوزان وغيرهم حفظهم الله.
نعم، إنه وبكل أسف وبسبب التكالب الذي يتفق عليه أصحاب التوجهات الحزبية يزينون للناس الفتنة، ويستغلون عواطف الدهماء والعامة برفع رايات الإسلام، وهم أول من يخذلها، وهذا درس تثمره لنا أحداث مصر بأن نستبين الحقائق، ونعرض واقع القوم، وأنهم الخطر والإرهاب بثوبه الجديد الذي يتشكل مع البيئات، والشبهات الجديدة لهذا الإرهاب، ولذا فإن من الواجب على العامة والخاصة توضيح خطر هذه الدعوات الحزبية، والتحذير من دعاة الفتنة، ورؤوس هذه الجماعات، وهم من يتخذون من هذه الظروف بيئات لتمرير أفكارهم، وينصبون أنفسهم للحديث عن الأمة وكأنهم نوابها، ويؤججون العواطف ويستغلون البسطاء، وتكثيف الجهود للدعوة إلى نهج الحق نهج سلف الأمة الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله حبل النجاة: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
وثاني تلك المعالم: وصية المحب المشفق خادم الحرمين الشريفين لأخيه باتخاذ التدابير الحازمة لمن وقف وراء الفتنة، وسعى فيها بأسلوب الحوار، وقبول الرأي الآخر، وفق رؤية وطنية لهذا الهدف النبيل، ولكن هذا لمن لم يتلوث بالدماء والإرهاب، لأن الخلاف والاختلاف سنة كتبها الله: {ولايزالون مختلفين}، ومواجهته بالتعاون والحوار من المشتركات، وقبول الرأي الآخر واعتباره بما لا يخل بالمصالح العظمى، والالتقاء على الأهداف الكبرى، والمصالح العامة، وهذا مطلب ملح في ظل تلكم الظروف العصيبة التي تمر بها مصر العروبة، أما من وقف موقف العنف والإرهاب، والتعطش للفوضى الخلاّقة فإن علاجه بالحزم والقوة كما قال خادم الحرمين الشريفين: «لا كرامة ولا عزة لأي أمة عاجزة عن كبح جماح الخارجين على وحدة الصف والجماعة، ناسين أو متناسين قول الحق جل وعلا: {والفتنة أشد من القتل}»، ما أعظمها من وصية، وما أوقعها من سياسة هي من أولى الأولويات، ومن أهم عوامل الوحدة، نأخذ فيها بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوجه الأمة إلى الالتفاف على الأئمة والحكام، ويوصيهم بما يجمع الكلمة، ويوجب عليهم التعاون مع حكامهم ضد من يخرجون عليها: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: -وذكر منها-والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فمفارقة الجماعة بالردة أو بمفردها سبب لذلك، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من جاءكم وأمركم على رجل واحد ، يريد أن يفرق جماعتكم ، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان).
ومن المعالم المهمة التي وردت في رسالة حكيم العرب، وهو قيمة من أهم القيم الشرعية: الصبر وعدم استعجال النتائج، فكما قال -أيده الله-: «المرحلة القادمة محملة بعظم المسؤولية التي تستدعي بالضرورة من كل رجل وامرأة من أشقائنا شعب مصر، أن يكونوا روحاً واحدة ، وأن يكونوا على قدر من المسؤولية والوعي واليقظة وأن يتحلوا بالصبر ، وأن يتحملوا في المرحلة القادمة كل الصعاب والعثرات، ليكونوا عوناً لرئيسهم بعد الله، فمن يسبق يأسه صبره، سيجلس على قارعة الطريق يلوك الحسرة والندم».
صدق -أيده الله-، وما أتي من أتي من الشباب إلا من هذه الجزئية، فكأنما يريدون أن يصادموا سنة الله، ويقلبوا الواقع بعصا سحرية، إن هذا لم يتحقق حتى لصفوة خلق الله من الرسل والأنبياء، فكان ديدنهم الصبر والتحمل، حتى تحقق لهم الظفر والنصر، ولهذا يأمر الله خليله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو توجيه لأمته:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ويأتي بعد ذلك موقف الأخوة الصادقة، وأداء الحقوق التي تفرضها فيما أبداه -أيده الله- من وقفة صادقة لم تقتصر على وقوف بلاد الحرمين مع مصر الإسلام والحضارة والعروبة، بل دعوة صادقة لكل الأشقاء والأصدقاء في العالم بموقف شمولي داعم لقيادة مصر وشعبها، « لتتمكن بإذن الله من الخروج من نفق المجهول إلى واقع يشد من أزرها وقوتها وصلابتها في كل المجالات، «ولمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية», وهكذا صدق -أيده الله- القول بالفعل، والنصح بالمشاركة والتفاعل، وأكد موقف المملكة دائمًا، لأنه «مبدأ لا نقبل المساومة عليه ، أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان».
وفي كل ذلك يبقى أولاً وآخرا عون الله وتأييده وتسديده، فمليكنا وهو يؤكد الثوابت الشرعية يعيد الجميع إلى أن كل ما يبذل فهو من الأسباب، ولكن الثقة بالله سوف تتحقق، كما قال: «نقول ذلك توكلاً على الله وإيماناً راسخاً ثابتاً بأن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه وإنا -إن شاء الله- لفاعلون».
مضامين واسعة، وموقف تأريخي ينبع من الدين الإسلامي والسمات العربية الأصيلة، ومواقف النخوة والشجاعة، ولذا يشعر كل مسلم وكل مواطن بالفخار وهو يستمع لهذه الكلمات النابعة من القلب، والتي لها دلالاتها الأكيدة على الشعور بشعور الجسد الواحد، والسعي للهدف الأسمى، والتوحد ضد المخاطر التي تهدد جسم الأمة العربية الإسلامية، والحرص على مصر العروبة والإسلام لتعود قوية مشاركة في وحدة الصف العربي، ومسؤوليتنا تجاه هذا الموقف القوي الصارم الشجاع الصادع بالحق، الذي نرى قوته فيما تضمنه من حكم وأحكام موافقة لهذا الشرع، ويمكن تأصيل فقراته بما لا يسع المجال لتفصيله هنا مما يعلمه أهل العلم، وإذا كان بهذه المثابة فإننا مسؤولون أمام الله أن نقرأ ما فيه من معانٍ ودلائل؛ لأنها مما جاء به الدين، وصادرة من ولي أمرنا الذي أمرنا بالاجتماع إليه، والسمع والطاعة له، والتعبد لله بذلك، وأن نتوحد خلفه فيما يتخذه من مواقف تأكيدًا لهذه الأصول التي ذكرناها في صدر هذا المقال، وأن يكون قدوتنا في هذا علماؤنا ودعاتنا ونخب مجتمعنا من مسؤولين، فإن المسؤولية لا تنحصر في الفتيا والبيان، وتحقيق هدف الدولة في المؤسسة المعينة، وإنما كل أولئك نخب المجتمع وقدواته، وقد ائتمنهم الله على مصالح في الدولة، والمصالح الكبرى التي تخدم وحدة هذا الوطن في مقدمة هذه المسؤوليات، ولذا يجب عليهم من البيان والتوضيح وربط المجتمع بولاة أمرهم ووطنهم ما لا يجب على غيرهم، وذلك بصورة واضحة، وبشفافية عالية، وطرق وأساليب حكيمة مقنعة تعزز مقاصد الشرع في التوحد والاجتماع والألفة، كما أن المنابر الشرعية وقنوات التوعية والإرشاد، ومؤسسات التربية والتنشئة عليها من المسؤولية ما لا يخفى،كيف لا وفئات المجتمع تتلقى الخطاب الشرعي من خلالها، فالمنابر تأثيرها لا يخفى، وقوة الخطاب فيها إلزام الشرع بالإنصات إليها، ولاسيما منبر الحرمين الشريفين الذي ينتظره المسلمون في العالم، ومسؤوليتها في أوقات الفتن والأزمات أعظم من غيرها، ومؤسسات التربية تصنع عقول الشباب، وتوجههم لما ينفع في الدين والدنيا، ومن أعظم ما يضرهم أفكار الجماعات والتأثير عليهم بالعواطف، وتشويه صورة وطنهم وتجرئتهم على نقد ولاة أمرهم وعلمائهم، واتخاذ مواقف بناء على ذلك، فالمسؤولية تجاه هؤلاء النشء من خلال مؤسسات التعليم والتعليم العالي كبيرة ، أما مؤسسات الإعلام فهي القوة الناعمة، والمحرك الفاعل،المؤثر القوي على العقول، ولذا فالمسؤولية عليها عظيمة، وتجسيد هذه المسؤولية يجب أن يشمل كافة قنوات التأثير المرئية والمسموعة والمقروءة،وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، وعندي أن هذه الوسائل إذا استقطبت العلماء المؤثرين، والمسؤولين في قطاعات الدولة، والدعاة الناصحين، وتوالت مشاركاتهم في إطار مضمون هذه الرسالة الملكية وما سبقها من خطاب مع ما يصاحب ذلك من ديانة ونصح فإننا سوف نجني من ذلك خيراً عظيماً، وسيجد المجتمع بفئاته أنهم أمام أصول شرعية يتلقونها بكافة وسائل وأساليب التأثير، وهذا سيقطع الطريق على المزايدين والمشككين وغيرهم ممن يرون مصلحتهم في استهداف وحدة هذا الوطن الغالي وأمنه, والتشكيك فيما يتخذه ولاة الأمر من مواقف ومبادرات .
وأخيرًا: ما سطرته هنا جزء من هذا الواجب، والمسؤولية عظيمة، والخطاب تأريخي استثنائي نحتاج مضامينه لمواجهة منظري الفكر المنحرف ودعاة الفتنة في الداخل،ونحن نقول لمليكنا المفدى وإمامنا الموفق، نصحت فأسمعت، وقلت فوفقت وسدت، وقولك النابع من قلبك الكبير لامس شغاف قلوب الملايين، فسر ونحن معك وأرواحنا فداء لديننا ووطننا وستهزم قوى الظلام والشر والتدمير في وطننا العزيز، وفي مصر الشقيقة وفي كل بلد.
وأسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد عناكيد الكائدين، وإرهاب المعتدين، وضلال الحزبيين، وأن يحفظ لنا مليكنا وقائدنا، ويديم عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويلبسه لباس الصحة والعافية،كما أسأله أن يجمع كلمة أهل مصر على ولي أمرهم، وأن يعيد لهم أمنهم وأمانهم إنه سميع مجيب.