سبق أن حدثتكم عن زميلي، الصحافي الأمريكي، والذي قال لي ذات يوم إني أحسدكم على هذا الحراك المتجدد، فلا تكاد أيامكم تخلو من جدل، مع ما يتبع ذلك من التشويق، والمضحكات المبكيات، والحق يقال إنني أستشعر أحيانا ما قاله صاحبي، فحراكنا الاجتماعي غريب، ومتجدد، وفيه من الطرافة الكثير، لدرجة أنك لا تفرق أحيانا بين ما يكتبه واعظ ديني باسمه الحقيقي، وبين ما يكتبه شخص ساخر، يتقمص دور الواعظ الديني، ويكتب باسم مستعار!!، وهذا نادر الحدوث، إلا هنا، ولعلنا تابعنا خلال الفترة الماضية كثيرا من الصراعات، أو الصرعات المثيرة، والتي تجلب التسلية، رغم ما فيها من ألم.
هنا فقط، تقرأ لناقد معروف، يلاحق الجماهيرية أينما حلت، إذ بدلا من أن يرسم خطه الفكري، وتتبعه الجماهير، تجده هو ذاته يلاحق الجماهير، ويحرص، غفر الله لنا وله، على نقد أعمال الأسماء المعروفة، نقدا إيجابيا بالتأكيد، إذ ليس له أن ينتقد أعمال الكبار، فهو بحاجة لإطرائهم، ويقتصر نقده السلبي على من لا حظ لهم من جاه، أو مال، أو منصب، وكثيرا ما سألت نفسي عن إمكانية مخادعته، أي أن تقدم له عملا روائيا، وتزعم أنه لأحد أصحاب الجاه المعروفين بتعاطي الأدب، ثم بعد أن يشيد به كعادته، ويكتب ذلك على الملأ، تخبره بالحقيقة، وهنا تكون كسبت إشادته رغما عنه، إذ يصعب عليه التراجع!!، وهناك حديث يدور، ومراهنات على ماهية التوجه الفكري الذي سيعتنقه هذا الناقد مستقبلا، إذ أن الجماهيرية التي ساقته إلى اعتناق مبادئه الحالية قد تغيرت، بعد فشل التثوير العربي، وسننتظر، ونرى، فمتعة مثل هذا لا تقدر بثمن!.
وأرجو أن لا يغالطني أحد حيال تفرد حراكنا الاجتماعي، فقد تابعتم عراب «حز» الرقاب، وأعني هنا الأكاديمي، الذي طالب بحز رقاب اثنين من المثقفين، ثم بعد ذلك بأيام، طلب مناظرة مسؤولي التعليم عندنا، ليثبت لهم أنه لا يوجد لدينا تشدد، وأن مناهجنا التعليمية لا تخرج متشددين، وهذه يا سادتي ليست نكتة أتقرب بها إليكم، بل حقائق موثقة!!، فهل يوجد في هذا العالم مثل هذا الحراك؟!، وقبل ذلك تابعنا من كتب يدعو إلى الجهاد في الشام، بل ويشكك بإيمان من لا يحدث نفسه بذلك، ثم بعد تسع دقائق، فقط تسع، كتب خبرا عن زواج ابنه، طالبا من القراء الدعاء له بالرفاة، والبنين، وكنت ممن دعوا، وتمنوا زواجا سعيدا لذلك الابن السعيد، أما مجاهدي البغال التركية، والذين كان هناك تشابه تام بين ألوان ملابسهم، ولون البغال التي ركبوها، فهؤلاء يستحقون مقالا مستقلا، والمساحة لا تكفي للمزيد من الأمثلة، ولكن الخلاصة هي أن حراكنا الاجتماعي فيه التميز، والتشويق، وفي ذات الوقت، فيه الألم، والحسرة، فلنتابع إلى النهاية، فالعبرة بالنهايات!.