وسط تكتم إعلامي شديد، تواصلت المواجهات بين عناصر إرهابية متحصنة بأحد جبال محافظة جندوبة (150 كلم شمال غرب العاصمة تونس)، وقوات أمنية وعسكرية موحدة أفضت الى مقتل إرهابيين اثنين على أيدي القوات الحكومية، فيما ألقي القبض على عنصرين آخرين. وترجح مصادر أمنية من الميدان أن العدد الإجمالي للعناصر المحاصرة لا يتجاوز العشرة، فيما وصلت الجهة تعزيزات كبيرة من الأمن والجيش لمعاضدة جهود الموجودين بالمكان وتضييق الخناق على هذه الخلية الخطيرة. وفي تطور جديد لملابسات حادثة اللغم الذي انفجر مساء الأربعاء بسفح جبل السلوم بضواحي مدينة الجنوبية وخلف جريحين أثبتت الفحوصات الطبية التي خضع لهما أنهما أصيبا بجروح خفيفة علمت «التونسية» من مصادر مطلعة، أعلن هنا أن الفرقة المتعهدة بالبحث فيها قامت أول أمس الخميس بإيقاف الجريحين المذكورين (أحدهما عون سجون والآخر قريب له يعمل بالغابات كان بصدد رعي الأغنام) على ذمة الأبحاث الجارية للاشتباه في أنهما من قاما بزرع اللغم وأن انفجاره حصل خلال محاولتهما تغطيته بالتراب، علماً وأن التحريات شملت أيضاً بعض أقاربهما.. وفي سياق متصل، وفي تصريح مثير بعد غياب طويل عن الأضواء، أكد فريد الباجي رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية وعضو المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل أن لتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور أذرعاً في وسائل الإعلام، موضحاً أن بعضها يدافع عن هذه الأطراف، مضيفاً أن لهذا التنظيم غطاء حزبياً وسياسياً في المجلس الوطني التأسيسي وخارجه، ومشيراً الى أن هناك اختراقاً في المؤسسة الأمنية والعسكرية والقضائية وفي المنظمات الحقوقية. وأوضح الباجي أن الاختراقات في مؤسسات الدولة موجودة لكنها ضعيفة، ملاحظاً أنه من الضروري القضاء عليها، ومشيراً الى أن ذلك ما تسعى إليه الإستراتيجية التي قدمها المركز التونسي للأمن الشامل لرئاسة الحكومة سعياً الى المصادقة عليها والعمل بها، مؤكداً أنه تم إحداث وكالة استعلامية واستخباراتية للأمن الشامل ضمن الإستراتيجية الشاملة التي تم إعدادها لمكافحة الإرهاب. أما مدير المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل نصر بن سلطانة فيشدد من جهته على ضرورة تبني إستراتيجية لمكافحة الإرهاب في تونس، لأنه بدونها تكون تونس قد دخلت مرحلة الخطر الحقيقي، معلناً أن المركز تولى إعداد مشروع إستراتيجية هي اليوم على طاولة رئاسة الحكومة التي ستنظر فيها على أمل الموافقة عى ما جاء فيها باعتبار أنها تسهم في الحماية التكتيكية وتعطي الوضع الزمني والجغرافي الأهمية اللازمة. وتطرق ابن سلطانة الى الأجزاء الرئيسة للوثيقة والتي تتعلق بتشخيص واقع مكافحة الإرهاب وطبيعة العدو وواقع مكافحة هذا الخطر على جميع المؤسسات إضافة الى الإخلالات التي تؤول دون مكافحة الإرهاب وتكوين هياكل في الاختصاص والتركيز على الهياكل المراد إنجازها حسب الأولوية والأهمية لمقاومة الإرهاب. وفي استعراضه لسبل مكافحة انتشار الإرهاب وتضاعف عدد المجموعات المسلحة بتونس، قال الدكتور المنصف وناّس المفكّر والباحث الجامعي المتخصّص في علم الاجتماع، أنّه لا يوجد حلّ كامل لهذه الظاهرة وإنّما هي مقاربات متعددة الأبعاد والمستويات، تتضافر من أجل معالجة هذه الآفة، فيها ما هو ثقافي واجتماعي، فضلاً عما هو تربوي تعليمي أسري وإعلامي إلى ما غير ذلك. ويضيف في تصريح إعلامي قوله: «المسألة الثانية وهي فيما يبدو لي الأهم. نحن اليوم في القرن 21 بحاجة إلى إعادة بناء الشخصية القاعدية التونسية بناء جديداً يتلاءم مع العصر. ولو استثمرنا في بناء هذه الشخصية في القرن الماضي لما وصلنا إلى هاته الحالة ولما عرفنا هذه الظاهرة التي تسمّى الإرهاب. وهي دليل على إخفاق منظومة تربوية جزئياً أو كليّاً والمنظومة الأسرية وحتّى الإعلامية. وغير ذلك من مظاهر الوهن والانتكاس.»