البرامج الحديثة التي تهتم باللغة العربية ولاسيما أدوات التواصل الاجتماعي لا تزال بحاجة إلى الكثير من التفاعل والتعاون بين مراكز اللغة العربية وعلومها وبين الجهات المصنعة للعمل التقني والإليكتروني الذي يتطلب مزيدا من تقديم الرؤية اللغوية الصحيحة بإطار حديث، وذلك من خلال التعريب ومراجعة الكثير من الكلمات التي لم تعد مستخدمة هذه الأيام على نحو المسرة والرائي والحاسوب، وما إلى تلك الكلمات التي استحدثت معجمياً ولم تعد مستخدمة بشكل دارج أو معروف للجميع.
ولا تزال طروحات اللغة العربية وتعاونها محدودة في مجال تقنية المعلومات والأجهزة الحديثة وتعتمد على التصحيح اللغوي والإملائي فقط، فالشركات العملاقة التي تصنع الهواتف والأجهزة التقنية المرئية تعتمد على الحد الأدنى من استخدامات اللغة العربية وصيغها، وربما تكون الترجمة حرفيا، حيث ظهرت قبل أعوام قليلة ترجمة إلى العربية بطريقة حرفية، وبلوحة لاتينية، أي معكوسة مما تسبب في سوء استخدامها، وعدم تناسقها في الشكل والمضمون.
فاللغة العربية في مقابل هجمة هذه الأجهزة وتوافرها وكثرتها تعد في حالة تحد حقيقي، قد يفزع اللغويين، ويتسبب في تكهنات أو تخرصات بأنها قد لا تستطيع مواكبة هذه الثورة التقنية والمعلوماتية التي ينظر إليها كحالة تحول نوعي مما يتطلب الإسهام في عمل علمي وبحثي كثيف لمواكبة هذا الطارئ..
وبما أن مركز الملك عبدالله للغة العربية وعلومها مهم ووجوده مطلوب فإنه معني بتطوير سبل الارتقاء باللغة العربية والمحافظة عليها، وذلك من خلال الإسهام في وضع برامج تتواكب مع متطلبات التصنيع التقني الحديث، وعدم الاعتماد على ما تقدمه الشركات العملاقة من لغة تُصَنَّع ويدخل فيها التبديل والاجتزاء والرمز على نحو أن يوضع مقابل كلمة (عدل صورة ميزان) و(حب يقابله رسم قلب) و(البكاء وشم عين دامعة) وتفرغ الفكرة أو الجملة العربية من محتواها للتحول إلى مسخ بنائي مشوه لا يخدم اللغة وحقيقتها وعلاقة النشء بها باعتبارها اللغة الأم.
ولكي تبقى اللغة العربية متوهجة وحاضرة لا بد من وجود برنامج تلفزيوني يعنى باللغة بأسلوب شيق على غرار برنامج «مدينة القواعد» وهو برنامج تلفزيوني عربي عراقي شهير يعنى باللغة وجمالياتها وهو لا يزال حتى اليوم متداولا.. فكيف وإن جدد هذا البرنامج وأضيف إلى محتواه ولاسيما في هذا الزمن الذي نحن في أمس الحاجة إليه في زمن التقنيات وتزاحم المعلومات؟
الشخصية النمطية، المألوفة والمعنية بأمر اللغة العربية وأصحابها ترمي أو تشير إلى أنهم منغلقون على أنفسهم، وينشغلون بتفاصيل دقيقة لا تفيد سائر المجتمع وإن كانت من قبيل التخصص، كما أن بعضا منهم قد يهول من الأخطاء ويثير الرعب من مجرد خطأ إملائي أو نحوي ما لناشئ بدأ للتو يخوض في تفاصيل العمل الأدبي، ولا ننكر أن هناك من يجيدون اللغة بشكل أنيق ورائع يجعله مصدر أمان، وإشارة متفائلة إلى أن اللغة العربية ستظل تاج اللغات ورونقها.
ولا أدل على ذلك ما نشاهده عند الشعب اللبناني في مختلف طوائفه وتيارته.. فلا يمكن أن يفرطوا في لغة وطنهم الأم وعروبتهم رغم تحضرهم ومدنيتهم وانفتاحهم على الغرب بشكل واضح، ونذكر على سبيل المثال أن مذيعة أخبار حسناء متميزة في أحد القنوات العربية الرائدة ورغم كونها «مسيحية» إلا أنها تحفظ قدراً كبيراً من القرآن الكريم وتجوده من أجل أن تتقن لغة بلادها لبنان وتخدم هويتنا العربية بكل نضج وبهاء.