قبل عقود كان يُقصد بالطابور الخامس أولئك الذين كانوا يساعدون العدو الخارجي، سواء عبر نشر الإشاعات أو توفير المعلومات أو حتى القيام بالأعمال التخريبية.
الآن، وفي هذا العصر وبتطور وسائل الاتصال الاجتماعي (التويتر وإخوانه) أصبح لدى الطابور الخامس سلاح رهيب متطور لم تغفله المخابرات الدولية، وبالذات الكبرى منها، وفي مقدمتها المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A) والمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، إذ وظفت هذه المخابرات الشبكات الاجتماعية فأصبحت وسيلة في أيدي تلك المخابرات. وقد نشطت هذه المخابرات في حشد وتنسيق الاحتجاجات ضد الحكومات والدول التي تستهدفها بنشر الفوضى فيها، لتعميم ما يُسمى بالفوضى الخلاقة، أو تقسيم تلك الدول.
وقد كشفت الأحداث التي شهدتها عدد من الدول العربية كيف استثمرت تكنولوجيا المعلومات ليتم التلاعب في الرأي العام من قبل المخابرات الأجنبية وبالذات الأمريكية والإسرائيلية، خلال ما سُمي بالربيع العربي في تونس ومصر وفي تركيا وفي أوكرانيا.
ولإخفاء دورها في تنظيم الاحتجاجات وتوجيهها ضد الحكومات المستهدفة، تنشر المخابرات العديد من المناقشات للتضليل على شبكة الإنترنت نيابة عن مستخدمين خياليين. وتتم عمليات التضليل بأسلوب أقرب للحقيقة، إذ تتظاهر المخابرات - وهو ما تبرع به المخابرات الأمريكية والإسرائيلية - بمناقشات زائفة تحت قناع المستخدمين المستقلين، وتُدعم هذه المناقشات بفيديو يتضمن مشاهد ملفقة وضُعت خصيصاً لهذه الأهداف والتي تسجل وكأنها عبر متفرجين غير محترفين ولم يكونوا موجودين لغرض معين، وإنما كان وجودهم صدفة وأنهم سجلوا هذه المشاهد كهواة ومتفرجين غير متداخلين في الحدث. وبهذه الطريقة والاحتيال المدبر يثق الشباب بهذه الأفلام أكثر من وسائل الإعلام المحترفة، ويندر أن تشاهد أفلاماً من هذه النوعية تتحدث عن تجاوزات للأمريكيين والإسرائيليين وحتى الأوروبيين، وإذا ما تم تسجيل أفلام ولقطات لابد منها وأن حدثاً ما يتداول بكثرة فتكون اللقطات في أسفل الترتيب.
هذه الأساليب يجري التحكم بها عبر الشركات الدولية المشغلة للإنترنت، والتي تديرها وتسيطر عليها الشركات الأمريكية التي وافقت على التعاون مع المخابرات الأمريكية، وهو ما تخضع إليه وسائل الإعلام الدولية الرئيسة والتي تغير فهم المستخدمين للشبكات الدولية وحتى الإقليمية الذين يتلقون فيضاً من المعلومات تشكل توجهاً ورأياً عاماً يخدم توجهات المصادر التي تبث تلك المعلومات.
ومع أن هذه الأساليب تم فضحها والكشف عنها في شهر أبريل من العام الحالي، وجرت محاولات في الولايات المتحدة لمنع توظيف الشبكات الدولية ووسائط الاتصال الاجتماعي، إلا أن الأمريكيين يواصلون هذه الأساليب من خلال الزعم بأن الاستخدام المفتوح لشبكات التواصل الاجتماعي يستند على مبدأ حرية الرأي، وحرية القول في العالم. وسيتم زيادة تمويل برامج إنشاء الشبكات الإقليمية المعارضة للحكومات وتكريم الناشطين ودعمهم والدفاع عنهم مثلما حصل مع المشغل المصري وائل غنيم مدير خدمات جوجل في الشرق الأوسط، ورفاق غنيم وغيرهم ممن يعملون في هذه الشركات الكبرى يدسون العديد من المعلومات التي تخدم أهداف من يرعون ويدافعون عن هؤلاء الذين تهدد أنشطتهم الكثير من البسطاء المستخدمين للشبكات الاجتماعية.