لا خلاف على أن الأسواق المالية باتت أكثر حساسية تجاه الأحداث الجيوسياسية في المنطقة؛ كما أن ارتباطها النفسي والتقني؛ يؤدي في الغالب إلى تأثرها ببعضها البعض. أتساءل عن سر ارتفاع أسواق بعض دول المنطقة الفاقدة للأمن والاستقرار، في الوقت الذي تتعرض فيه أسواق دول أكثر استقراراً لانخفاضات حادة؛ كردة فعل انفعالية لأحداث خارجية لا علاقة لها بالداخل؟
أعتقد أن عنصر «الثقة» هو القادر على توجيه قرارات متداولي السوق في أوقات الأزمات؛ وهو ما يساعد الأسواق المالية على تحديد وجهتها بمعزل عن المتغيرات الأساسية ذات العلاقة بالاقتصاد وشركات السوق.
قد تكون «الثقة» مكتسبة؛ وتلقائية نابعة من إيمان المتداولين بالأمن والاستقرار، وقد تكون مصطنعة من قبل جهات عليا هدفها ترسيخ قناعة المواطنين بالأمن، وإبعاد شبح الهلع عنهم وبما ينعكس على المجتمع بشكل عام. أسواق المال هي مرآة عاكسة لطبيعة ما يحدث في الداخل؛ من الناحية الاقتصادية، الأمنية، والسياسية، وهي أكثر حساسية تجاه المتغيرات السياسية والعسكرية، المفاجأة. وأحسب أن التراجع الحاد في سوق الأسهم السعودية خلال الأيام الماضية كان على علاقة بما حدث من متغيرات في العراق. حيث ارتفعت نبرة الحرب والفوضى؛ وبات الترقب، لتطور الأحداث، سيد الموقف.
يُقال إن «رأس المال جبان»، إلا أن جُبن المُستثمر من أحداث خارجية يصعب امتدادها إلى الداخل فيه من الجهالة الكثير؛ إضافة إلى ما يحدثه من أثر نفسي على السوق؛ الذي ينتقل بشكل سريع إلى مكونات المجتمع. التغطية الإغراقية للأسواق المالية تساعد على جعلها هدفاً للمخربين، والباحثين عن التأثير النفسي في الأزمات، وهو أمر شائع، إلا أن القلة تعترف به، وتحتاط منه. ومن هنا تظهر أهمية خلق الثقة، التي يفترض أن تقوم بها الحكومة حماية لمقدرات الوطن، وإبعاداً لشبح الخوف، وتكريساً لمبدأ الثقة بالأمن والاستقرار.
من المفترض أن يكون لصناع السوق دور أكبر في ترسيخ الثقة بالسوق المالية، في أوقات الأزمات، وهو جزء من برامج الحماية والدفاع عن الوطن، فإن تعذر قيامهم بذلك الدور الحيوي الوطني الرئيس، فلا مناص من البحث عن جهات أخرى قادرة على لعب الدور نيابة عنها. تفتقد السوق السعودية القيادة الإستراتيجية التي تساعدها على أن تكون جزءاً من منظومة الحماية للجبهة الداخلية من خلال تعزيز الثقة بالأمن، وإرسال رسائل إيجابية عن الوضع الداخلي، إضافة إلى حمايتها مقدرات الوطن واستثمار المواطنين.
عجزت السوق المالية عن حماية نفسها ومستثمريها، لأسباب مرتبطة بالإدارة، والرؤية الحكومية، وكبار المستثمرين. تَرك السوق لمواجهة ردود أفعال هواة المصاربة والباحثين عن تحقيق مكاسب كبرى على حساب الوطن وأمنه واستقراره، تسبب في تحويلها إلى أداة لإشاعة الهلع بين الناس بدلاً من أن تكون مصدرا لثقة المواطنين والمتداولين على حد سواء. بعض المحطات الفضائية تستغل مؤشر السوق لإظهار حجم الهلع المصاحب لما يحدث في المنطقة؛ وبالتالي تضخيم قدرات جماعات الإرهاب، وإعطائها دوراً يتجاوز حجمها الوضيع؛ متسببين في الوقت عينه بإشاعة الهلع والفوضى بين الناس. يقال في الأمثال الشعبية؛ «الحرب دَهّوَلة»، و(دَهّوَلَة) جماعات الإرهاب ترسمها بعناية وكالات استخبارات غربية، ويسهم مستثمرونا وقنواتنا الفضائية ومحللونا، في تكريسها وتضخيمها لتكون جزءاً رئيساً من الحرب النفسية التي تصنع من فئران الإرهاب أسوداً تُقارع الدول والحكومات.
حماية الوطن لا تقتصر على الجهات الأمنية، بل يفترض أن يسهم بها الجميع، وأحسب أن القيادة الأمنية الإستراتيجية معنية بحشد قوى الداخل لمواجهة التهديدات الخارجية مهما صغر حجمها. سوق الأسهم يمكن أن تكون إحدى القنوات المؤثرة في تكريس الأمن والاستقرار، ما يجعلها هدفاً لقوى التخريب الخارجية والداخلية، من خلال التعاملات المالية النظامية.
أرجو أن يكون للحكومة رؤية شاملة لمكونات الأمن المساندة، ومنها سوق الأسهم، التي يمكن أن تكون مؤشراً رئيساً لقياس مستوى الثقة بالأمن الداخلي. قد نحتاج إلى أن تكون لدينا جهة مختصة بالأمن الاقتصادي والمالي، تتعامل بكفاءة مع الأحداث المفاجئة لتحقيق هدفين رئيسين، حماية الاقتصاد ومكوناته وفي مقدمها سوق المال من الأخطار الخارجية المحدقة، واستثمار سوق الأسهم لإشاعة الأمن والطمأنينة بدل الهلع الذي يبرز مع ظهور الأزمات؛ وإن صغر حجمها. مع توفر السيولة العالية في الصناديق الحكومية يصبح هدف موازنة السوق المالية في الأزمات، أمراً هيناً، وتكلفته محدودة، إلا أن انعكاساته الإيجابية، وعوائده المالية والأمنية والاستراتيجية مؤثرة بشكل كبير.