جاء في لسان العرب «البَأْبَأَةُ قولُ الإِنسان لصاحبهِ بِأَبي أَنْتَ، ومعناهُ أَفْدِيكَ بِأَبي، فيُشتقُّ من ذلك فعلٌ فيقال: بَأْبَأَ بِهِ» وقال «وبَأْبَأْتُ الصبيَّ وبَأْبأْتُ به قلتُ له بأَبي أَنتَ وأُمي... وقالوا بَأْبَأَ الصبيَّ أَبوهُ إِذا قال له بَابَا وبَأْبَأَهُ الصبيُّ إِذا قال له بَابَا»، ونجد في اللسان شرحًا لنحت هذا الفعل، قال «فالباء في أَوَّلِ الاسمِ حرفُ جر بمنزلة اللامِ في قولكَ (للّه أنتَ) فإِذا اشتَقَقْتَ منهُ فِعْلًا اشتقاقًا صَوْتِيًا اسْتَحَالَ ذلك التقدير، فقلت: بَأْبَأْتُ به بِئباءً، وقد أَكثرت من البَأْبأَة؛ فالباء الآن في لفظِ الأصل وإِن كان قد عُلم أَنها فيما اشْتُقَّت منهُ زائدةٌ للجَر»، وكذلك يقال «وبَأْبَأَ الفَحْلُ، وهو تَرْجِيعُ الباءِ في هَدِيرهِ، وبَأْبأَ الرَّجُلُ أَسْرَعَ، وبأْبأْنا أَي أَسْرَعْنا».
أما (بأبأة الطلاب) فليست من المعاني التي جاءت في (لسان العرب)، وليست منحوتة من (بأبي) وليست من ترديد صوت الباء، بل هو لفظ وهبَته مناقشة دارت بيني وبين زميلي الدكتور حسين المناصرة، وطالما كان مكتبه مجلس علم تدور فيه المناقشات الجادة، وكان من حديثنا في ذلك اليوم ما هالنا من أمر ضعف مستوى كثير من المتقدمين للدراسات العليا بفرعيها الماجستير والدكتوراه، وهؤلاء يشترط في قبولهم ارتفاع المعدل. وإنه شيء لا ينتهي منه العجب أن تراهم قد نالوا درجات عالية؛ ولكنهم في الاختبار الشفهي يكشفون عن مستوى متدن لا يناسب المعدل المرتفع الذي أثبت لهم، فلا تجدهم يحسنون القراءة إن هم قرأوا، ولا هم على معرفة بمصادر العلم الذي يريدون مواصلة دراساتهم فيه، ولا هم على معرفة كافية بمصطلحات العلم، وكان من الأسئلة المطروحة في سبيل التعليل أبعض الجامعات ربما رفعت نسب بعض طلابها لتنالهم فرصة في مجال الدراسات العليا؟ أتعمد بعض الجامعات إلى منح بعض طلابها تقادير (ب) و(أ)؟ وهذا ما سميناه بأبأة الطلاب، وقد تكون البأبأة من كيفية القياس، فقد يكلفون معلومات محددة فيسألون بها عينها، فهم لا يحسنون غيرها بعدئذ.
وأمر آخر أمرّ من سابقه وهو ما استولى على جامعاتنا من وهم الاتصاف بالجودة أو الادعاء بالجودة التي وضعت لها معاييرها وشرائطها التي هي عند من ابتدعوها تفضي إلى تحقيق المراد، وتعلي من شأن الأداء، ولكنها عند من يصطنعون صورة الجودة ويحرصون على الوفاء بالجوانب الشكلية الموهمة بها ليست سوى عبء من الأعباء وجملة من الأعمال المبدّدة وقت الأساتذة المهدرة طاقاتهم. وإن من لوازم هذه الجودة الاحتكام إلى رأي الطالب في تقديره معلم المقرر، وكثير من الطلاب في مجتمعاتنا ليس الإنصاف ديدنهم ولا الصدق رائدهم بل اقتناص الدرجات همهم في المقام الأول، ويبدأ الأمر في درجات الأعمال الفصلية التي تؤلف (60%) من الدرجة فإن هم رأوا المعلم قد كال لهم منها بلا حساب عقدوا العزم كل العزم على الإشادة به، وعلى أن يرصدوا له من التقدير ما يجعل الجامعة تستمر في استعماله، فإذا جلسوا للاختبار النهائي ووجدوه في الصورة المرضيّة وأجابوا بما يضمن لهم (الباء) أو (الألف) مضوا إلى تنفيذ ما عزموا عليه من أمر تقييمه بما لا يزعجه عن مكانه ولا يقلقه من موقعه، وإن كانت هذه الصورة ليست عامة على المعلمين أو الطلاب فإنها بلا جدال سبب من الأسباب وعلة من العلل إن كنا نريد المكاشفة والشفافية وترك المداراة، فتقييم الطلاب معلميهم صار سيفًا مصلتًا على عقد الجامعة مع هؤلاء المعلمين، وإن لم يكن المعيار الوحيد، وقد يدفع هذا المعلم المسكين المحتاج للعمل إلى بأبأة الطلاب، ولم يبق إلا أن يقول لهم: بأبي أنتم وأمي.